ثقافة

الديمومة: سر بقاء القضية الفلسطينية حيّة رغم التحديات

في صياغة تحليلية رصينة، يصحبنا الكاتبان ماجد الزير وإبراهيم العلي في مؤلفهما المشترك “الديمومة: عوامل بقاء القضية الفلسطينية حيّة”، الصادر عن دار جسور للترجمة والنشر، في رحلة فكرية معمّقة تستكشف سر بقاء القضية الفلسطينية نابضة رغم مرور أكثر من سبعة عقود على النكبة وما تلاها من أزمات وتحديات جسام.

يرى الكاتبان أن الإنجاز الأبرز للشعب الفلسطيني بعد قرابة ثمانية عقود من الاحتلال والشتات يتمثل في صمود قضيته واستمرار رفع صوته بالمطالبة بحقوقه الكاملة، وبقاء هذه المطالب حاضرة في مختلف المحافل وعلى المستويات كافة، بنبرة لم تفلح القوى المعادية في إخمادها أو تجاوزها.

المؤلف، الذي قدّمه الرئيس التونسي الأسبق الدكتور المنصف المرزوقي، لا يقتصر على توصيف المعاناة، بل يسعى إلى فهم ديناميات الصمود وأدوات البقاء التي مكّنت هذه القضية من الحفاظ على مركزيتها في الضمير العالمي، باعتبارها قضية “آخر شعب على وجه الأرض لم ينل استقلاله الأول من الاستعمار الغربي”، بحسب وصفه.

يقسّم الكتاب عوامل الديمومة إلى ثلاث فئات:

1. العوامل الذاتية:

يتناول الخصائص المتجذرة في الشخصية الفلسطينية، مثل التجذر التاريخي في الأرض، والتمسك بالهوية، والمكانة الدينية للقدس، وقوة الروابط الاجتماعية، وروح المقاومة الفطرية، والحفاظ على التراث، وهي عناصر منحته صلابة استثنائية في مواجهة محاولات التهميش والطمس.

2. العوامل المكتسبة:

يركز هذا القسم على الدعم العربي والإسلامي والدولي الذي ساند الشعب الفلسطيني، إضافة إلى السياسات العدوانية للاحتلال التي أسهمت، paradoxically، في إبقاء الوعي بالقضية حياً ومتقداً في الوجدان العالمي.

3. العوامل المشتركة:

يستعرض التفاعل الحيوي بين الذاتي والمكتسب، عبر التمثيل الفلسطيني في الشتات، والإعلام، والتعليم، ومراكز الأبحاث، والعمل المؤسسي، موضحاً كيف ساهم هذا التكامل في تعزيز حضور القضية واستمرارها.

الكتاب لا يغفل العقبات التي واجهت المسيرة الفلسطينية، مثل الانقسام الداخلي، محاولات تصفية القضية، التطبيع مع الاحتلال، والتدخلات الخارجية، لكنه يؤكد أن هذه التحديات لم تزد الفلسطينيين إلا عزماً وإصراراً على استعادة حقوقهم المشروعة.

ويختتم المؤلفان عملهما بتقديم توصيات عملية للمحافظة على ديمومة القضية الفلسطينية، داعين إلى تنسيق الجهود وتوظيف الإمكانات المتاحة على المستويات كافة من أجل نصرة هذه القضية العادلة، وتثبيت حضورها في الوعي الإنساني والسياسي على حد سواء.

“الديمومة” ليس فقط قراءة في عوامل البقاء، بل هو شهادة على **حيوية شعب وقضية عصيّة على التغييب، باقية في الوجدان العربي والعالمي مهما اشتدت العواصف.

زر الذهاب إلى الأعلى