عملية سليمان: أكبر حملة إجلاء جوي لنقل يهود الفلاشا إلى إسرائيل

عملية سليمان: أكبر عمليات إجلاء اليهود الإثيوبيين إلى إسرائيل
تُعد “عملية سليمان” واحدة من أبرز العمليات التي نفذتها إسرائيل لنقل اليهود الإثيوبيين، حيث انطلقت في 24 مايو/أيار 1991 واستمرت لمدة 36 ساعة متواصلة، نُقل خلالها أكثر من 14 ألف يهودي إثيوبي إلى إسرائيل. واعتُبرت حينها أضخم عملية إجلاء جوي في تاريخ إسرائيل، إذ تم تعديل الطائرات بإزالة المقاعد لزيادة سعتها، مما مكّن من نقل أعداد تفوق التقديرات الأولية.
يهود الفلاشا: مجتمع معزول وهوية متجذرة
عاشت المجتمعات اليهودية الإثيوبية، المعروفة باسم “الفلاشا”، في عزلة شبه تامة عن العالم الخارجي، حيث استقرت في المناطق الريفية واعتمدت على الزراعة والرعي والحرف اليدوية مثل الحياكة والتطريز. وعلى الرغم من بعدها عن مجالات السياسة والتجارة، كانت لها هوية دينية وثقافية متميزة تحت مسمى “بيتا إسرائيل”.
شهدت الهجرة الجماعية لليهود الإثيوبيين تسارعًا ملحوظًا في أوائل ثمانينيات القرن العشرين، خاصة بعد مقتل نحو 2500 شخص منهم خلال انقلاب عسكري في عهد منغستو هيلا مريام. وفرضت الحكومة الإثيوبية آنذاك قيودًا صارمة على هذه الطائفة، منعت بموجبها ممارسة الطقوس الدينية اليهودية وتعليم اللغة العبرية.
قانون العودة وهجرة اليهود الإثيوبيين
في عام 1975، قررت الحكومة الإسرائيلية أن “قانون العودة” الصادر عام 1950 ينطبق على اليهود الإثيوبيين، ما فتح الباب أمام هجرتهم إلى إسرائيل. وفي عام 1977، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن توجيهًا صريحًا لجهاز الموساد لتنظيم عملية نقلهم.
بناءً على ذلك، توجه رئيس عمليات الموساد ديفيد كيمحي إلى أديس أبابا، حيث توصل إلى اتفاق مع منغستو هيلا مريام يقضي بتزويد حكومته بالأسلحة مقابل السماح بهجرة اليهود الإثيوبيين إلى إسرائيل. وبموجب هذا الاتفاق، وصلت أول مجموعة مكونة من 120 شخصًا عام 1977، لكن الأمور تعقدت بعد أن كشف وزير الخارجية الإسرائيلي موشيه ديان عن تقديم إسرائيل أسلحة لإثيوبيا، مما دفع منغستو إلى إغلاق الحدود ومنع المزيد من الهجرة.
ورغم ذلك، استمرت إسرائيل في تنفيذ عمليات سرية، أبرزها “عملية موسى” عام 1984، التي نُفذت باتفاق سري مع الرئيس السوداني جعفر النميري، وشملت نقل 6 آلاف يهودي إثيوبي من السودان إلى بلجيكا، ومنها إلى إسرائيل. لكن تسريب تفاصيل العملية تسبب في قطع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والسودان.
التخطيط لعملية سليمان
مع بداية تسعينيات القرن العشرين، كانت الحكومة الإثيوبية على وشك الانهيار بسبب الحرب الأهلية، وكانت القوات المتمردة تقترب من أديس أبابا، بالتزامن مع انتشار المجاعة في شمال إفريقيا. أدى ذلك إلى تصاعد المخاوف بشأن سلامة طائفة “بيتا إسرائيل”، خصوصًا في ظل القوانين الإثيوبية التي حظرت هجرتهم.
وفي عام 1990، خططت الاستخبارات الإسرائيلية لعملية إنقاذ جوية واسعة أُطلق عليها “عملية سليمان”، استكمالًا لعملية موسى، وبمساعدة الولايات المتحدة الأميركية. وتدخّلت واشنطن بعد ضغوط من القادة اليهود الأميركيين، حيث أرسل الرئيس جورج بوش الأب رسالة رسمية إلى الحكومة الإثيوبية للموافقة على العملية، وتم التوصل إلى اتفاق مالي بين الوكالة اليهودية وإثيوبيا، شمل دفع 35 مليون دولار كـ”رسوم تشغيل المطار” في أديس أبابا مقابل السماح بهذه الهجرة.
تنفيذ العملية
في 24 مايو/أيار 1991، أُطلقت “عملية سليمان” بإشراف رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق شامير، وتم خلالها إجلاء أكثر من 14 ألف يهودي إثيوبي إلى إسرائيل خلال 36 ساعة متواصلة.
شارك في العملية 34 طائرة، من بينها 6 طائرات “بوينغ 707” و18 طائرة “هيركوليس”، التي تمتلك القدرة على نقل عدد كبير من الأشخاص، حيث وصلت ذروة العملية إلى تحليق 27 طائرة في وقت واحد.
ولتعزيز القدرة الاستيعابية، تم تفكيك مقاعد الطائرات، ما سمح بنقل 1200 راكب في الرحلة الواحدة، مقارنة بالتقديرات الأولية التي كانت تشير إلى استيعاب 760 راكبًا فقط. وأسهمت حالة سوء التغذية بين اليهود الإثيوبيين في تخفيف أوزان الركاب، مما مكّن من نقل أعداد تفوق المتوقع.
بهذه العملية، تمكنت إسرائيل من تنفيذ واحدة من أضخم عمليات الإجلاء الجوي في تاريخها، والتي شكلت نقطة تحول في هجرة يهود الفلاشا إلى إسرائيل.