اقتصاد

دمشق تسعى للعودة إلى النظام المالي العالمي عبر مفاوضات مع البنك وصندوق النقد الدوليين

بدأت الحكومة السورية الجديدة خطوات دبلوماسية واقتصادية لإعادة دمج البلاد في النظام المالي الدولي، في مسعى يهدف إلى تعزيز الاقتصاد الوطني وتهيئة المناخ المناسب لبدء عملية إعادة الإعمار المتوقفة منذ سنوات.

وتسعى سوريا لفتح قنوات تواصل مع مؤسسات مالية دولية كبرى، من بينها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بهدف الحصول على منح مالية ومساعدات فنية تسهم في دعم القطاعات الحيوية، خاصة الكهرباء والخدمات العامة.

وكشفت مصادر لوكالة “رويترز” أن المؤسستين الماليتين الدوليتين تدرسان تقديم منح بمئات ملايين الدولارات لتحسين البنية التحتية الكهربائية في سوريا ودعم رواتب موظفي القطاع العام، وهي خطوة تعتبر مؤشراً على بداية تحوّل محتمل في علاقة سوريا بالمجتمع الدولي.

وفد رسمي إلى واشنطن لأول مرة منذ سقوط النظام

في تطور لافت، من المقرر أن يشارك وفد سوري رسمي يضم وزير الخارجية أسعد الشيباني، ووزير المالية محمد يسر برنية، وحاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية، في الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في واشنطن، وهي أول زيارة من نوعها منذ سقوط نظام بشار الأسد.

قيود مالية معقدة وعقبات قانونية

رغم امتلاك سوريا حقوق سحب خاصة بقيمة 563 مليون دولار بصفتها دولة عضواً في صندوق النقد الدولي، فإن استغلال هذه الحقوق يواجه عقبات قانونية وسياسية بسبب العقوبات الأميركية والدولية المفروضة على النظام السوري، وخاصة على البنك المركزي.

ويشير الخبير الاقتصادي يونس الكريم إلى أن أي محاولة لتحويل هذه الأموال قد تعرّض الجهات المتعاونة لعقوبات صارمة، ما لم يصدر قرار دولي خاص بتعليق العقوبات.

ويحذر الكريم من أن بيع سوريا لحقوق السحب الخاصة سيحرمها من الاقتراض مستقبلاً من صندوق النقد الدولي، وسيضطرها للبحث عن تمويل مباشر من الدول، ما يقلص فرصها في الاستفادة من برامج تنموية لمكافحة الفقر وإعادة الإعمار.

منح مشروطة بالشفافية

من جانبه، قال الدبلوماسي السوري المقيم في واشنطن بسام البربندي إن المساعدات التي تقدمها المؤسسات الدولية ليست مشروطة سياسياً، لكنها تتطلب الشفافية في آليات الصرف، وهو ما يمثل تحدياً في ظل ضعف مؤسسات الدولة السورية.

وأضاف أن هذه المنح تستند إلى كون سوريا دولة عضواً تمر بمرحلة انتقالية، ما يتيح لها فرصاً محددة للاستفادة من برامج الدعم.

السعودية تسدد ديون سوريا المتأخرة

وفي تطور آخر، كشفت مصادر أن السعودية قامت بسداد ديون متأخرة على سوريا للبنك الدولي بقيمة 15 مليون دولار، وهو ما يُعد خطوة رمزية تهدف إلى تمكين دمشق من استعادة حقها في الحصول على مساعدات دولية.

وتأتي هذه الخطوة وسط مناقشات متقدمة داخل البنك الدولي لتقديم دعم مالي لتحسين البنية التحتية للكهرباء ودفع رواتب القطاع العام.

عقبات أمام التمويل المباشر

يؤكد الخبراء أن العقوبات الأميركية والأممية لا تزال تحول دون أي انخراط مباشر للبنك الدولي للإنشاء والتعمير في مشاريع داخل سوريا، ويشترط التعامل تعليقاً رسمياً لتلك العقوبات، وهو ما تسعى دمشق لتحقيقه من خلال زيارات رسمية إلى نيويورك.

وتبقى المعايير المالية الدولية، بحسب تصريحات حاكم مصرف سوريا المركزي، عائقاً أساسياً أمام عودة سوريا إلى المنظومة المالية العالمية.

دعم محدود من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي

أعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) عن توقيع اتفاقية مع أربعة بنوك سورية لتنفيذ مشروع تجريبي لأسعار فائدة مدعومة بقيمة 2.9 مليون دولار، يستهدف تمكين أكثر من 1600 مستفيد من الحصول على تمويل.

كما خصص البرنامج 50 مليون دولار لإصلاح محطة دير علي لتوليد الكهرباء، جنوب دمشق، بعد حصوله على استثناء من وزارة الخزانة الأميركية يتيح تنفيذ المشروع دون خرق العقوبات المفروضة على سوريا.

إشارات أولية… واستراتيجية غير مكتملة

وتُعد مشاركة الوفد السوري في اجتماعات البنك وصندوق النقد الدوليين بمثابة مؤشر أولي لرغبة الحكومة الجديدة في الانفتاح الاقتصادي، رغم غياب استراتيجية شاملة واضحة، بحسب ما يراه مراقبون.

ويعتقد الخبير يونس الكريم أن التركيز السوري الحالي ينصب على معالجة أزمات التمويل الآنية أكثر من وضع رؤية اقتصادية متكاملة، بينما تعتبر دول إقليمية وغربية أن دعم البنية التحتية، لا سيما الكهرباء، قد يمنع سوريا من الانزلاق مجدداً إلى الفوضى والعنف.

مستقبل غامض لكن ليس مستحيلاً

رغم الضبابية التي تحيط بالملف السوري، فإن الاستثناءات الأميركية لبعض برامج الأمم المتحدة، وسداد ديون دمشق، وإعادة فتح قنوات التفاوض مع المؤسسات الدولية، قد تشكل بداية مسار بطيء لإعادة دمج سوريا في الاقتصاد العالمي، شريطة توفر الشفافية، وتقدم ملموس في بنية الدولة ومؤسساتها.

زر الذهاب إلى الأعلى