الأخبار الدولية

الغموض الأميركي تجاه الإدارة السورية الجديدة.. شروط واشنطن لتخفيف العقوبات ودلالاتها

في ظل موقف واشنطن غير الواضح من الإدارة السورية الجديدة، كشفت وكالة “رويترز” عن قائمة شروط قدمتها مسؤولة أميركية إلى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، كخطوة أولى نحو تخفيف العقوبات المفروضة على دمشق. ويشكل هذا التطور بداية تبلور سياسة أميركية جديدة تجاه حكام سوريا الجدد.

يمثل اللقاء الذي جرى بين الجانبين أول اتصال دبلوماسي رفيع المستوى منذ الزيارة الاستكشافية التي قامت بها باربارا ليف، نائبة وزير الخارجية الأميركي، إلى دمشق عقب سقوط نظام الأسد أواخر العام الماضي. وعلى الرغم من رسائل التطمين التي بعثت بها الإدارة السورية الجديدة، والتي حظيت بتفاعل إقليمي وأوروبي، فإن الموقف الأميركي لا يزال يتسم بالضبابية تجاه المشهد السوري الراهن.

شروط أميركية مقابل تخفيف العقوبات

وفقًا لتقرير “رويترز” الصادر في 25 مارس/آذار، قدمت ناتاشا فرانشيسكي، نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى وسوريا، قائمة مطالب أميركية إلى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني خلال اجتماع مباشر على هامش مؤتمر المانحين من أجل سوريا في بروكسل بتاريخ 18 مارس/آذار.

لم يُعلن مسبقًا عن هذا الاجتماع الذي يعد أول اتصال دبلوماسي مباشر بين الطرفين منذ تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب منصبه في 20 يناير/كانون الثاني. ويأتي الكشف عن هذا اللقاء متزامنًا مع تكثيف الاتصالات الأميركية مع أنقرة، حيث تواصل الرئيسان الأميركي والتركي، كما عقد وزيرا خارجية البلدين، ماركو روبيو وهاكان فيدان، اجتماعًا في واشنطن، وكان الملف السوري أحد أبرز محاوره.

تدعو تركيا الإدارة الأميركية إلى دعم الحكومة السورية الجديدة ورفع العقوبات لتمكينها من النهوض بعد سنوات من الحرب، مع تعهد أنقرة بمواصلة الحرب على الإرهاب والتنظيمات المتطرفة في حال قررت واشنطن سحب قواتها من سوريا.

بحسب “رويترز”، تعهدت الولايات المتحدة، في حال استجابة دمشق لهذه الشروط، باتخاذ خطوات نحو تخفيف العقوبات، بما في ذلك تمديد الإعفاءات القائمة وإصدار إعفاءات جديدة.

مكافحة الإرهاب وإبعاد الأجانب عن المناصب العليا

أشارت مصادر “رويترز” إلى أن قائمة الشروط الأميركية تتضمن التزام دمشق بالتعاون في مكافحة الإرهاب، وضمان عدم تعيين أجانب في مناصب قيادية ضمن أجهزة الحكم السورية. وقد أثار تعيين بعض المقاتلين الأجانب السابقين في وزارة الدفاع السورية قلقًا دوليًا، إلا أنه لم يعرقل الانفتاح الإقليمي والأوروبي تجاه دمشق.

ويعيد هذا الشرط تسليط الضوء على مخاوف واشنطن من التأثير المحتمل للتيارات الجهادية على الحكومة السورية الجديدة. وكان الرئيس السوري أحمد الشرع قد أشار سابقًا إلى أن مقاتلين أجانب شاركوا في معركة إسقاط الأسد، مؤكدًا أن تأثيرهم محدود، لكنه في الوقت ذاته دافع عن تعيين بعضهم في مناصب عسكرية، مشيرًا إلى إمكانية منحهم الجنسية السورية مستقبلًا.

أما فيما يخص التعاون في مكافحة تنظيم الدولة، فإن هذا البند يعكس إلى حد كبير واقعًا قائمًا، حيث شنت القوات السورية الجديدة عمليات ضد التنظيم في إدلب وضيّقت الخناق على فصائل متطرفة مثل “حراس الدين”، فرع القاعدة في سوريا. كما سبق أن قدمت واشنطن دعمًا استخباراتيًا لدمشق، مما أدى إلى إحباط مخطط تفجيري لتنظيم الدولة مطلع العام الجاري.

الأسلحة الكيميائية.. التزام جديد

تضمنت الشروط الأميركية أيضًا إلزام سوريا بتدمير أي مخزون متبقٍ من الأسلحة الكيميائية، وذلك استكمالًا للاتفاق الذي أبرمه النظام السابق عام 2013 لتجنب ضربة عسكرية أميركية. وتبدي الحكومة السورية الجديدة استعدادها للتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، حيث شارك وزير الخارجية السوري مؤخرًا في اجتماع المنظمة في لاهاي، في خطوة غير مسبوقة في تاريخ البلاد.

الكشف عن مصير أوستن تايس

طلبت واشنطن من دمشق تعيين جهة اتصال للمساعدة في الكشف عن مصير الصحفي الأميركي أوستن تايس، الذي اختفى في سوريا منذ أكثر من عقد. وعلى الرغم من فتح السجون وإطلاق سراح عدد من المعتقلين عقب سقوط النظام السابق، لم يُعثر على تايس، مما أثار استياء عائلته ووزارة الخارجية الأميركية.

وكانت نائبة وزير الخارجية الأميركي قد ضمت إلى وفدها مسؤولين معنيين بقضية تايس خلال زيارتها إلى دمشق، فيما التقت والدة الصحفي الأميركي بالرئيس السوري أحمد الشرع، الذي أكد استعداده للتعاون في هذا الملف.

مقابل التنفيذ.. تخفيف العقوبات

في حال استجابة دمشق لهذه الشروط، تعهدت واشنطن باتخاذ إجراءات لتخفيف العقوبات، تشمل تمديد الإعفاءات الاقتصادية لمدة عامين وإمكانية إصدار إعفاء إضافي. كما قد تصدر الإدارة الأميركية بيانًا يدعم وحدة الأراضي السورية، وفقًا لمصادر “رويترز”.

وعلى الرغم من عدم تعليق أي مسؤول أميركي رسميًا على صحة هذه المعلومات، فإن المتحدث باسم الخارجية الأميركية اكتفى بالقول: “لا نناقش علنًا محادثاتنا الدبلوماسية الخاصة”، مما يشير ضمنيًا إلى وجود محادثات غير معلنة بين الجانبين.

تباين في الرؤية الأميركية تجاه سوريا

يبدو أن هناك خلافًا داخل الإدارة الأميركية حول النهج الواجب اتباعه تجاه دمشق. ففي حين يفضل بعض مسؤولي البيت الأبيض تبني موقف أكثر تشددًا، مشيرين إلى الروابط السابقة للقيادة السورية الجديدة بتنظيم القاعدة، تسعى وزارة الخارجية إلى تبني مقاربة أكثر تدرجًا وتوازنًا تشمل دراسة مجالات التعاون الممكنة.

وقد أدى هذا الخلاف إلى نقاش حاد داخل الإدارة الأميركية بشأن بيان أصدره وزير الخارجية ماركو روبيو، أدان فيه العنف في الساحل السوري، بعد هجوم شنه فلول النظام السابق ضد القوات الحكومية الجديدة.

ختامًا

إذا تأكدت صحة هذه الشروط الأميركية، فقد يعكس ذلك توجهًا جديدًا في السياسة الأميركية تجاه سوريا، يقوم على مزيج من الضغوط الدبلوماسية والانفتاح المشروط، في محاولة لإعادة تشكيل المشهد السوري وفق المصالح الأميركية والإقليمية.

زر الذهاب إلى الأعلى