ليبيا تسعى لاستعادة موقعها في النقل الجوي الإقليمي: مطارات تتطور وطموحات تعانق الأجواء

بالاعتماد على مقاربات عملية ورؤية طموحة، تسعى ليبيا إلى إعادة تموضعها ضمن خارطة النقل الجوي الإقليمي، متخذة من مطار معيتيقة الدولي ركيزة تشغيلية رئيسية ترتكز على مؤشرات فنية وبنيوية تؤكد جاهزيته للمرحلة القادمة.
مطار معيتيقة: بنية تحتية تنافسية
يقع مطار معيتيقة شرق العاصمة طرابلس، على بُعد 8 كيلومترات فقط من مركز المدينة، ويمتد على مساحة تقارب 700 هكتار. وتبلغ طاقته الاستيعابية نحو 3 ملايين مسافر سنوياً، فيما يمتلك مدرجًا بطول 3600 متر يتيح له استقبال الطائرات العريضة مثل “بوينغ 747″، ما يمنحه ميزة تنافسية في سلاسل الشحن الجوي والتجارة العابرة للحدود.
انتعاشة تشغيلية مدفوعة بالتحديثات
وأكد مدير المطار، إبراهيم فركاش، في حديثه لموقع الجزيرة نت، أن مطار معيتيقة يشهد حركة تشغيلية متنامية، بدعم من مشاريع تطوير فني وبنية تحتية تواكب المعايير الدولية للسلامة الجوية. كما أشار إلى نضج المؤسسة في التعاطي مع التحديات الأمنية، وهو ما شجع شركات طيران على التفكير بجدية في استئناف رحلاتها، من بينها الخطوط الملكية المغربية التي يُتوقع أن تبدأ رحلاتها إلى ليبيا في يوليو/تموز المقبل، إلى جانب الخطوط الجوية المصرية التي تُجري مشاورات متقدمة في هذا الشأن.
وأضاف فركاش أن العمل جارٍ على تجهيز الحديقة الجمركية الجديدة وتطوير أنظمة الملاحة والأرصاد الجوية، بما يرفع من كفاءة عمليات الإقلاع والهبوط، ويُعزز من ثقة شركات الطيران الدولية.
تحديات أمنية وتشغيلية قائمة
في المقابل، يرى الخبير في مجال الطيران المدني محمد عيسى أن البيئة التشغيلية لمطار معيتيقة لا تزال مرتبطة بشكل وثيق بالوضع الأمني في البلاد، الذي يمثل عاملًا حاسمًا في قرار شركات الطيران الدولية. وأوضح أن هذه الشركات تراقب أربعة مؤشرات أساسية قبل العودة:
- الاستقرار الأمني،
- الجاهزية الفنية،
- الجدوى الاقتصادية،
- الإطار القانوني والتنظيمي.
وأشار عيسى إلى أن رفع الحظر الجوي الأوروبي عن ليبيا يتطلب استيفاء ملاحظات فنية أصدرتها منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO)، وليس فقط توافقات سياسية.
إحياء مطار طرابلس الدولي
وفي خطوة موازية، تشهد العاصمة الليبية جهوداً لإعادة تشغيل مطار طرابلس الدولي المغلق منذ 2014، حيث تجري أعمال تطوير كبيرة تشمل محطة جديدة بطاقة استيعابية تصل إلى 6 ملايين راكب سنوياً، على مساحة 30 ألف متر مربع. ومن المقرر الانتهاء من المرحلة الأولى نهاية العام الجاري أو مطلع العام المقبل، تليها مرحلة ثانية تتضمن محطة إضافية بطاقة 10 ملايين راكب و16 بوابة متحركة.
ورغم توقيع مذكرة تفاهم مع شركة “أوربكان” القطرية في فبراير 2025، واجه المشروع عقبات تعاقدية وتأخيرات مالية أدت إلى فسخ عقود مع بعض الجهات المنفذة، بينها شركة إيطالية مسؤولة عن الأعمال.
شراكات إستراتيجية مرتقبة
من جهة أخرى، كشف فرج المسلاتي، مدير منطقة بنغازي في شركة الخطوط الليبية، عن نية الناقل الوطني الدخول في شراكات تشغيلية مع الخطوط القطرية والمغربية لتعزيز خدمات الترانزيت وتحقيق إيرادات إضافية، بما يُسهم في ترسيخ موقع ليبيا كممر جوي إستراتيجي وإعادة تنشيط الاقتصاد الوطني.
وأشار إلى أن الخطوط الليبية تُطور برامج تعاون دولي في مجالات التدريب والصيانة، كما تُواصل عمليات تحديث في أنظمة الملاحة والأرصاد في مطارات بنغازي وطرابلس ومعيتيقة، مما ساعد في رفع تصنيف الجاهزية التشغيلية لهذه المطارات.
أبعاد اقتصادية للنقل الجوي
يؤكد المحلل الاقتصادي محمد دريميش أن عودة شركات الطيران الدولية تمثل فرصة اقتصادية حيوية، لما لها من دور في تنشيط التجارة وتيسير حركة الأفراد والبضائع. وشدد على أهمية الاستثمار في خدمات الشحن الجوي كأداة فعالة لجذب النقد الأجنبي وتسريع عمليات التوريد.
كما أشار إلى أن استقرار قطاع الطيران يُحسن بيئة الأعمال، ويُسهم في جذب المستثمرين وتنظيم المؤتمرات والفعاليات الدولية، داعيًا إلى خلق بيئة سياسية وتنظيمية مستقرة لضمان استدامة هذه الاستفاقة.
إصلاحات مطلوبة لضمان الاستمرارية
اختتم محمد عيسى مداخلته بالتأكيد على ضرورة تبني خارطة طريق إصلاحية تشمل:
- تحديث شامل للبنية التشغيلية والمعدات الأرضية.
- إطلاق برامج تدريبية احترافية بالتعاون مع مؤسسات دولية.
- تعزيز الرقابة الأمنية، خصوصًا على مداخل المطارات والمناطق الحساسة.
- تبني خطة تسويقية مهنية تُبرز ليبيا كمجال جوي واعد بناءً على جاهزيتها الفنية.
خلاصة:
بين طموح الإقلاع من جديد وواقع التحديات الأمنية والفنية، تبدو ليبيا أمام فرصة واعدة لإعادة تموضعها في فضاء النقل الجوي الإقليمي والدولي، شرط تسريع وتيرة الإصلاحات وتعزيز الثقة في بنيتها التحتية ومؤسساتها التشغيلية.