تقنية

معيار “التطور الطويل الأمد”.. العمود الفقري للاتصالات اللاسلكية الحديثة رغم تقدم الجيل الخامس

في عالم يزداد فيه الاعتماد على الإنترنت في مختلف مناحي الحياة، باتت سرعة الاتصال واستقراره من العوامل الجوهرية التي تحدد جودة التجربة الرقمية. ومع تسارع التوجه العالمي نحو شبكات الجيل الخامس (5G) وما تحمله من آفاق واعدة، لا يزال معيار “التطور الطويل الأمد” (LTE) – الأساس التقني لشبكات الجيل الرابع (4G) – يحتفظ بدوره المحوري في بنية الاتصالات اللاسلكية.

منذ ظهوره، شكّل هذا المعيار نقطة تحول رئيسية، حيث قدم سرعات اتصال تفوق بمراحل ما كانت توفره شبكات الجيل الثالث (3G)، إلى جانب تقليص كبير في زمن الاستجابة، ما أدى إلى تحسين كبير في جودة البث المباشر، والألعاب الإلكترونية، والمكالمات الصوتية عبر الإنترنت (VoIP).

ما هو “التطور الطويل الأمد”؟

يُعرف “التطور الطويل الأمد” بأنه معيار متطور لنقل البيانات في شبكات الاتصالات المتنقلة، يستند إلى تقنيات GSM وUMTS، وقد تم تطويره ضمن إطار “مشروع شراكة الجيل الثالث” (3GPP)، وظهر لأول مرة في عام 2008 كنظام اتصالات خلوي عالي السرعة وقليل الكمون (Latency).

ورغم أن هذا المعيار لم يكن يطابق في بداياته المواصفات الصارمة التي وضعها “الاتحاد الدولي للاتصالات” (ITU) للجيل الرابع، فإن التحديثات المستمرة جعلته قادراً على تلبية تلك المتطلبات، بل وتجاوزها في كثير من الأحيان، ليصبح أساساً لتطور الاتصالات في العقد الماضي.

آلية العمل والمزايا

يعتمد LTE على تقسيم البيانات إلى حزم صغيرة تُرسل عبر الشبكة وتُعاد تجميعها عند الاستقبال، مما يضمن سرعة أعلى وكفاءة أفضل مقارنة بالأنظمة السابقة. ويوفر هذا المعيار نطاقاً ترددياً واسعاً واتصالاً أكثر استقراراً، ما يجعله مثالياً لنقل البيانات بكفاءة وموثوقية.

من أبرز مزايا LTE:

  • سرعات تحميل وتنزيل عالية تتفوق على تقنيتي الجيل الثاني والثالث.
  • تقليل زمن التأخير بشكل ملحوظ أثناء المكالمات والأنشطة عبر الإنترنت.
  • دعم لتقنية LTE-Advanced التي تضاعف السرعة وتحسن سعة الشبكة واستقرارها.
  • تحسين تجربة المستخدم في بيئات متعددة، من المنازل إلى المنشآت الصناعية.

انتشار عالمي واسع

تشير إحصاءات “جمعية موردي الهاتف المحمول العالمية” (GSMA) إلى أن معيار LTE يشكل 60% من 5.4 مليارات اشتراك فريد للهاتف المحمول حول العالم حتى ديسمبر/كانون الأول 2023، أي أنه يغطي ثلثي المستخدمين عالمياً. وتُشغّل 791 شركة اتصالات شبكات LTE في 240 دولة ومنطقة، بينما توفر 336 شركة تقنيات LTE-Advanced، وتستخدم 227 شركة تقنيات VoLTE (الصوت عبر التطور الطويل الأمد).

“LTE-Advanced”.. تحسينات نوعية

يُمثل “التطور الطويل الأمد المتقدم” نسخة مطورة من LTE، يهدف إلى تحقيق سرعات أعلى واستقرار أفضل باستخدام تقنيات مثل تجميع النطاقات الترددية (Carrier Aggregation)، ما يسمح بنقل البيانات عبر أكثر من تردد في آن واحد، ويعزز من أداء الشبكة.

الشبكات الخاصة وتقنية VoLTE

إضافة إلى الشبكات العامة، ظهرت شبكات LTE الخاصة لتخدم مؤسسات محددة كالموانئ والمطارات والمناطق الصناعية النائية، حيث توفر تغطية خلوية فعالة باستخدام طيف ترددي غير مرخص.

أما تقنية VoLTE، فهي تمكّن من إجراء المكالمات عبر شبكة LTE بصيغة بيانات، ما يؤدي إلى جودة صوت أعلى، ودعم لعدد أكبر من المتصلين، وإمكانية تحديد حالة الطرف الآخر قبل الاتصال (متاح أو مشغول)، إلى جانب تحسين استغلال النطاق الترددي.

الجيل الخامس ودور LTE المستمر

رغم الانتقال المتسارع نحو شبكات الجيل الخامس، لا يزال LTE يشكل دعامة أساسية، خصوصاً في المناطق التي لم تصلها تغطية 5G بعد. كما تعتمد شبكات الجيل الخامس غير المستقلة (NSA 5G) على LTE في إدارة الجلسات والحفاظ على استقرار الاتصال، مما يؤكد استمرار أهمية هذا المعيار خلال المرحلة الانتقالية.

محطات تاريخية في تطوير LTE

  • 2004: اقترحت شركة NTT DoCoMo اليابانية اعتماد LTE كمعيار عالمي جديد للنطاق العريض اللاسلكي.
  • 2006: شركة نوكيا تنجح في تحميل فيديو عالي الجودة ولعبة في وقت واحد باستخدام LTE.
  • 2008: شركة إريكسون تجري أول مكالمة هاتفية كاملة عبر LTE.
  • 2009: TeliaSonera تطلق أول شبكة LTE تجارية في أوسلو وستوكهولم.
  • 2011: الانتهاء من تطوير تقنية LTE-Advanced.

خاتمة

يمثل معيار “التطور الطويل الأمد” (LTE) حجر الزاوية في ثورة الاتصالات اللاسلكية الحديثة، حيث جمع بين السرعة والاستقرار وسهولة الوصول، وشكّل أساساً لعديد من الخدمات الرقمية التي يعتمد عليها الأفراد والمؤسسات يومياً.

ومع أن المستقبل يتجه نحو شبكات الجيل الخامس، فإن LTE سيبقى حاضراً بقوة في مشهد الاتصالات لسنوات قادمة، خاصة في البيئات التي تتطلب تغطية موثوقة وأداء مستقر.

زر الذهاب إلى الأعلى