تقنية

“تيك توك”.. ملاذ للفقراء أم منصة رقمية لعصابات التسول؟

في عالم يعيش فيه نحو 44% من السكان تحت خط الفقر، وفقًا لتقارير بنك الطعام الدولي، برزت منصة “تيك توك” كوسيلة جديدة لجمع التبرعات من مختلف أنحاء العالم. فالمنصة، التي تضم أكثر من 1.9 مليار مستخدم، فتحت الباب أمام المحتاجين لعرض معاناتهم مباشرة على الجمهور العالمي عبر خاصية البث المباشر.

لكن هذا الانفتاح الرقمي لم يكن خاليًا من السلبيات، إذ تحولت المنصة تدريجيًا إلى ساحة خصبة للمتسولين ومدعي الفقر من شتى بقاع الأرض، كما ورد في تقرير لمركز الأعمال وحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. فمع غياب أدوات التحقق من الحالة الاجتماعية أو الاقتصادية للمتحدثين في البث، بات من السهل استغلال عواطف المتابعين بدافع التعاطف.

تسول الأطفال في البث الرقمي.. تجارة مربحة؟

أصبح من المعتاد على المنصة رؤية أطفال يجلسون وسط أكواخ طينية متهالكة، يستجدون المساعدة في مشاهد مصممة بدقة لتستدر عواطف الجمهور. وخلف الكاميرا، يظهر بالغ يراقب سير التبرعات، فيما يستمر البث لساعات طويلة، ويجني خلالها القائمون على العرض جوائز رقمية تُحوّل لاحقًا إلى أموال حقيقية تُعرف باسم “أرباح البث المباشر”.

ورغم إعلان “تيك توك” حظر استغلال الأطفال في التسول الرقمي واعتباره خرقًا لسياسة المنصة، فإن الواقع يظهر خلاف ذلك. ففي بثوث من دول مثل أفغانستان، يتكرر هذا النمط، وتظهر أشكال جديدة من الاستغلال تشمل أطفالًا وكبارًا في السن يدّعون الإعاقة. كل ذلك يحدث في ظل صمت المنصة، التي لا تتوانى عن اقتطاع ما يصل إلى 70% من عائدات البث، وهو ما وصفه أوليفييه دي شوتر، المقرر الخاص للأمم المتحدة، بأنه تضارب خطير في المصالح لا يختلف عن استغلال العصابات التقليدية للمتسولين.

رصد دولي لعصابات التسول المنظم

كشف تقرير مشترك لصحيفتي “ذا غارديان” و”ذا أوبزيرفر” عن انتشار ظاهرة التسول الرقمي عبر تيك توك خلال الفترة من يناير إلى أبريل 2025. وبحسب الدراسة، تم رصد عشرات الحسابات التي تعتمد على البث المباشر كوسيلة أساسية للتسول، مع التركيز على دول مثل إندونيسيا، باكستان، أفغانستان، سوريا، مصر، وكينيا.

التقرير أشار إلى وجود تنظيم واضح في بعض هذه الحسابات، مثل حسابات تعرض يوميًا بثًا مباشرًا لأطفال نائمين في أماكن تشبه استوديوهات التصوير، مع وجود بالغين ثابتين في كل عرض، ما يعزز فرضية وجود جهات منظمة تدير هذا النوع من المحتوى بشكل احترافي.

البث المباشر.. وسيلة ترويج أم بيئة خطرة؟

أُطلقت خاصية البث المباشر في “تيك توك” في أغسطس 2020، لتمنح صناع المحتوى فرصة التواصل الفوري مع متابعيهم وتلقي الهدايا الرقمية القابلة للتحويل إلى أموال. ورغم أن هذه الميزة مثلت مصدر دخل مشروعًا للكثيرين، فقد جذبت في الوقت نفسه أنظار العصابات المنظمة، التي وجدت فيها مصدرًا سهلًا للربح، سواء من خلال التسول أو عبر تقديم محتوى خطير ومثير للجدل.

وتشمل هذه التحديات مقاطع طعام حار، والنوم لساعات أمام الكاميرا، أو تغطية الجسد بالتراب أو الطحين، وهي سلوكيات باتت شائعة على المنصة بهدف كسب التفاعل الذي يزيد من قيمة الأرباح.

وترى مروة فطافطة، الباحثة في منظمة Access Now للحقوق الرقمية، أن تصميم خاصية البث المباشر في “تيك توك” يشجع هذا النوع من السلوكيات، نظرًا لاعتماد المنصة في أرباحها على حجم التفاعل، دون بذل جهود حقيقية للحد من المحتوى الخطير أو غير الأخلاقي.

بين المحتاجين والمدّعين.. خيط رفيع

تواجه “تيك توك” معضلة معقدة: فبينما تسهل المنصة على البعض تلقي مساعدات هم في أمسّ الحاجة إليها، إلا أنها تفتح الباب أيضًا أمام محتالين ومحترفي استغلال العواطف. ويكمن التحدي في القدرة على التمييز بين المحتاج الحقيقي ومدعي الفقر الذين يستخدمون المنصة كمصدر دائم للدخل.

وتقترح فطافطة أن تتحمل المنصة مسؤولية أكبر عبر تعيين فرق رقابة بشرية لتقييم الحالات المعروضة في البث، وتحديد مدى مصداقيتها.

رد “تيك توك”: الذكاء الاصطناعي لمواجهة الانتهاكات

في بيان رسمي، أكدت “تيك توك” التزامها التام بمحاربة ظاهرة التسول الرقمي واستغلال الأطفال، مشيرة إلى أنها أوقفت أكثر من 4 ملايين بث مباشر مخالف باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وأنظمة مراقبة متقدمة.

كما أوضحت المنصة أن نسبة الاقتطاع من أرباح البث تتفاوت بناء على عوامل مختلفة، منها منصات الدفع وتطبيقات الطرف الثالث، ما يجعل العمولة النهائية تتراوح بين 50% و70%.ورغم أن “تيك توك” لا تنوي إلغاء خاصية البث المباشر، فإنها تسعى لتفعيل أدوات رقابة أكثر صرامة، تجمع بين الذكاء الاصطناعي والعناصر البشرية، لضمان بيئة رقمية أكثر أمانًا وإنصافًا.

زر الذهاب إلى الأعلى