اقتصاد

بوادر انفتاح اقتصادي بين دمشق وأوروبا.. تقارب تدريجي يفتح آفاق الشراكة والتبادل

تلوح في الأفق مؤشرات على انفتاح اقتصادي تدريجي بين سوريا والاتحاد الأوروبي، في أعقاب زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى باريس ولقائه نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، في خطوة تعد امتدادًا لتحركات دبلوماسية متسارعة، من بينها استئناف العلاقات مع ألمانيا التي أعادت فتح سفارتها في دمشق.

وكان الاتحاد الأوروبي قد أعلن في فبراير/شباط 2025 عن تعليق مجموعة من العقوبات المفروضة على سوريا، خصوصاً في قطاعات الطاقة والنقل، إلى جانب تخفيف القيود على عدد من المؤسسات المالية، بما في ذلك إزالة خمسة مصارف من قائمة العقوبات.

وأكد الرئيس الفرنسي خلال لقائه بالشرع استعداد بلاده لدعم رفع تدريجي للعقوبات، مشترطًا التزام دمشق بـ”مسار الإصلاح”، مشيرًا إلى عزمه مناقشة المسألة مع الشركاء الدوليين، خاصة الولايات المتحدة.

فرص تجارية واقعية

قبل اندلاع الحرب في 2011، كان الاتحاد الأوروبي يُعد الشريك التجاري الأكبر لسوريا، حيث بلغ حجم التبادل نحو 7.18 مليارات يورو، قبل أن يتراجع إلى 396 مليون يورو فقط عام 2023 بسبب العقوبات المشددة. ومع انطلاق الديناميات الدبلوماسية الجديدة، يبرز الحديث عن إمكانية استعادة جزء من هذا الزخم الاقتصادي.

في هذا السياق، صرّح وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بأن زيارة الرئيس الشرع تمثل “نقطة تحول” نحو كسر الجمود الاقتصادي وتعزيز مناخ الأمن والاستقرار، تمهيدًا لخلق بيئة استثمارية جاذبة.

مقومات اقتصادية وفرص لوجستية

يرى الخبير الاقتصادي يحيى السيد عمر أن تخفيف العقوبات قد يفتح المجال تدريجيًا أمام استئناف العلاقات التجارية، خصوصًا في مجالات الزراعة والصناعة، حيث لا تزال سوريا تحتفظ بقدرات إنتاجية واعدة في هذه القطاعات.

في المقابل، يحذر الدكتور خالد تركاوي، الباحث في مركز جسور للدراسات، من الإفراط في التوقعات، مشيرًا إلى تحديات كبيرة تعرقل العودة السريعة لمستويات التبادل السابقة، من أبرزها عدم القدرة على تصدير النفط لأسباب تقنية وسياسية، وضعف القوة الشرائية للمواطن السوري، ما يحد من استيراد السلع الأوروبية مقارنة بالمنتجات الصينية الأرخص.

ومع ذلك، تُجمع التحليلات الاقتصادية على أن سوريا تمتلك موقعًا جغرافيًا فريدًا يجعلها ممرًا إستراتيجيًا يربط أوروبا بالشرق الأوسط وآسيا، ما يمنحها دورًا لوجستيًا محوريًا في مشاريع الربط البري والتجاري الإقليمي، خاصة إذا تم تطوير البنية التحتية للنقل.

بعد إستراتيجي أوروبي

يرى السيد عمر أن سوريا قد تشكل جسرًا حيويًا لمرور التجارة الأوروبية نحو الخليج والعراق، ما يحقق مصالح اقتصادية مباشرة لدول الاتحاد، في ظل تراجع نفوذها في مناطق أخرى مثل أفريقيا وشرق أوروبا.

ويعزز هذا الاتجاه تقارير تُشير إلى احتمال مرور مشروع الهيدروجين الأخضر السعودي عبر الأراضي السورية في طريقه إلى أوروبا، ما يمنح دمشق وزنًا جيوسياسيًا إضافيًا وفرصًا لتعزيز دخلها من رسوم العبور.

إعادة الإعمار والشراكة الأورومتوسطية

من جانب آخر، قد يشكّل إعادة تفعيل اتفاقية الشراكة الأورومتوسطية (اتفاق برشلونة) مدخلًا لاستعادة التعاون بين سوريا والاتحاد الأوروبي، من خلال تسهيلات جمركية ودعم مؤسسي مباشر من بروكسل.

ويرى الدكتور تركاوي أن تفعيل هذه الشراكة يتطلب تشكيل لجان متابعة فنية، يمكن أن تفتح المجال أمام سوريا للحصول على منح أوروبية وتدريبات ومساعدات تقنية، فيما تقدر تكلفة إعادة إعمار البلاد بأكثر من 300 مليار دولار، ما يجعل من الملف أحد أكبر فرص الاستثمار الإقليمي.

ويُرجّح السيد عمر أن تلعب الشركات الأوروبية دورًا كبيرًا في هذا المسار، سواء عبر التمويل أو الاستثمار المباشر، فيما يؤكد تركاوي أن الشراكة بين القطاعين الخاص السوري والأوروبي ستكون مفتاحًا لنهضة اقتصادية حقيقية، تخلق فرص عمل وتحرك عجلة الإنتاج.

خاتمة: بين الانفتاح والمشروطية

في ضوء هذه التحركات، تلوح بوادر عودة تدريجية لسوريا إلى الساحة الاقتصادية الأوروبية، مدفوعة بتطورات دبلوماسية ملموسة وتوجه أوروبي جديد لإعادة صياغة العلاقة مع دمشق وفق منظور المصالح المتبادلة. لكن هذا الانفتاح يظل مشروطًا بالتزام الحكومة السورية بإصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية تضمن استدامة هذا التقارب.

زر الذهاب إلى الأعلى