اقتصاد

الاقتصاد الأميركي بين تفاؤل حذر وقلق عميق: فجوة متسعة بين البيانات وصلابة في المؤشرات “الصلبة”

رغم التحسن المفاجئ في بعض المؤشرات الاقتصادية الأميركية، لا تزال الأسواق تعاني من حالة من الترقب والارتباك، نتيجة التباين اللافت بين ما يُعرف بالبيانات “الصلبة” و”الناعمة”، وسط استمرار السياسات الاقتصادية المثيرة للجدل التي يتبناها الرئيس دونالد ترامب، خصوصًا الرسوم الجمركية الواسعة التي أطلق عليها البعض “رسوم يوم التحرير”.

تضارب البيانات يربك الأسواق

في تحليل نشره الصحفي الاقتصادي جيمس ماكينتوش في صحيفة وول ستريت جورنال، أشار إلى أن المؤشرات “الصلبة” مثل إنفاق المستهلكين ومبيعات التجزئة لا تزال تُظهر صلابة نسبية، في حين تواصل البيانات “الناعمة” المستقاة من استطلاعات الرأي ومؤشرات مديري المشتريات تراجعها بوتيرة مقلقة.

ويرى بعض الخبراء أن هذه الصلابة الظاهرة قد تكون مضللة، وتعكس على الأرجح موجة من تراكم المخزونات لدى الشركات تحسبًا للرسوم الجمركية، بدلاً من أن تكون مؤشرًا على نمو حقيقي ومستدام. ويُحذّر ماكينتوش من أن هذا التباين، على خلاف دورات اقتصادية سابقة، قد يكون نذير ركود يلوح في الأفق.

إشارات ركود رغم استمرار الإنفاق

بيانات مجلس المؤتمر الاقتصادي تشير إلى انخفاض حاد في المؤشر الاقتصادي الرائد، وهو ما يُعد إشارة محتملة لركود وشيك، على الرغم من أن المؤشر المتزامن لا يزال يعكس استمرارية في النمو. وتشير مؤشرات سيتي غروب إلى أن المفاجآت الاقتصادية الأخيرة كانت إيجابية نسبيًا فقط لأن التوقعات كانت سلبية للغاية في الأصل.

ورغم تأجيل بعض الشركات لمشاريع استثمارية ضخمة، يؤكد ديفيد غارفيلد، الرئيس المشارك في شركة أليكس بارتنرز، أن العديد من المشاريع الأصغر حجماً – خصوصًا تلك المتعلقة بتقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي – ما تزال قيد التنفيذ، مما يدل على مرونة نسبية في القطاع الخاص.

الرسوم الجمركية: تهديد صامت للاستثمار

تُشكّل الرسوم الجمركية الشاملة التي فرضتها إدارة ترامب في نوفمبر 2024 مصدر قلق رئيسي للأسواق، خاصة في ظل وجود تخوفات من تصعيد مفاجئ في أي لحظة. ويحتوي مشروع “الموازنة الجميلة” المعروض على مجلس الشيوخ على بنود قد تُستخدم لفرض ضرائب مشددة على الاستثمارات الأجنبية، وهو ما قد يُضعف تدفقات رؤوس الأموال ويعرقل النمو طويل الأجل، حتى لو لم يُحدث ركودًا فوريًا.

تفاؤل الأسواق ليس بالضرورة دليلًا على القوة

يشير ماكينتوش إلى أن تحسن البيانات “الناعمة” مؤخرًا يعود في جزء منه إلى تراجع التوقعات إلى مستويات متدنية، ما جعل الأرقام تبدو إيجابية نسبيًا. في المقابل، قد تكون البيانات “الصلبة” مغلوطة أو متأخرة في إظهار التأثير الحقيقي للضغوط الاقتصادية.

ويضيف: “التفاؤل المفرط لدى المستثمرين المتفائلين (الثيران)، والتشاؤم المفرط لدى المتخوفين (الدببة)، كلاهما يعكسان صورة غير متوازنة. أميل إلى الرؤية الوسطية: البيانات الناعمة ليست بالسوء الذي يبدو، كما أن الصلبة ليست بالقوة التي توحي بها”.

نمو بطيء محفوف بالمخاطر

يخلص التقرير إلى أن الاقتصاد الأميركي يمتلك القدرة على الاستمرار في النمو، لكن بوتيرة بطيئة ومتعثرة، بشرط أن تتجنب الحكومة اتخاذ قرارات قد تؤدي إلى زعزعة الأسواق أو إضعاف الاستثمار والاستهلاك.

ويختم ماكينتوش تحليله بالقول:
“الاقتصاد الأميركي يتمتع بقدر من الصمود، لكن هذا الصمود مرهون بعدم تدخل الحكومة بطريقة تُفاقم الوضع بدلًا من معالجته.”

زر الذهاب إلى الأعلى