قطر في مواجهة اضطرابات الأسواق العالمية: أدوات استراتيجية واستجابات واثقة

منذ بدء موجة الاضطرابات في الأسواق العالمية بفعل التوترات التجارية وفرض الرسوم الجمركية، دخلت بيئة الاقتصاد الدولي مرحلة من عدم اليقين، مما دفع الشركات والمؤسسات حول العالم إلى التساؤل عن تداعيات هذه التحولات على حركة التجارة والاستثمار والنمو والتنافسية. وفي هذا السياق، يرى بيتر كازناتشيف، مدير المشاريع في شركة آرثر دي ليتل – الشرق الأوسط، أن قطر، رغم تأثرها النسبي بالمشهد الدولي، تمتلك مجموعة من المقومات الفريدة التي تمكّنها من التصدي لهذه التحديات وتحويلها إلى فرص استراتيجية.
ست ركائز تعزز قدرة قطر على المواجهة
يعدد كازناتشيف ستة عناصر أساسية تشكّل البنية الدفاعية والفرصية لقطر في مواجهة تقلبات الأسواق، تشمل:
- قوة صادرات الغاز الطبيعي المسال
- التوسع المستمر في قدرات إنتاج الغاز عبر مشروع حقل الشمال
- احتياطات مالية ضخمة من السيولة النقدية
- فوائض مالية مستقرة في الموازنة العامة
- استراتيجية تنويع اقتصادي وصناعي فعالة
- بنية تحتية متطورة وذات موقع جغرافي إستراتيجي
ورغم أن قطر ليست بمنأى عن آثار التحولات الاقتصادية العالمية، يؤكد كازناتشيف أن اقتصادها متين بما يكفي لمواجهتها. فصادرات الغاز الطبيعي، التي تمثل ركيزة الاقتصاد الوطني، لا تخضع بشكل مباشر للإجراءات الحمائية الأميركية الأخيرة، ولا تُصدر قطر سوى نسبة ضئيلة من منتجاتها إلى الأسواق التي تفرض تعريفات جمركية مرتفعة كالسوق الأميركية. كما أن المكانة التي تحتلها قطر في سوق الطاقة العالمية تضمن لها طلبًا مستقرًا وطويل الأمد.
موقع قوة في مرحلة انتقالية
ويرى كازناتشيف أن قطر تخوض هذه المرحلة من موقع قوة، مدعومة بزيادة إنتاج الغاز بفضل مشروع توسعة حقل الشمال، وباحتياطاتها الضخمة التي يديرها “جهاز قطر للاستثمار”، والتي تُقدّر بنحو نصف تريليون دولار. كما تحافظ الدولة على فوائض مالية حتى في ظل التوقعات المتحفظة لأسعار الطاقة، ما يعزز ثقتها في مواجهة تقلبات الأسواق.
إلا أن الاستجابة القطرية لا تقتصر على الصمود أمام الصدمات، بل تمتد إلى تحويل الأزمات إلى أدوات للنمو والتحفيز الاقتصادي، من خلال استراتيجيات مدروسة تعتمد على عناصر مرنة وقابلة للتكيّف.
أولًا: التنويع الصناعي.. فرص من فائض العالم
يرى كازناتشيف أن واحدة من أبرز الأدوات التي تملكها قطر هي رافعة التنويع الصناعي، إذ تتيح التحولات في سلاسل التجارة العالمية، خاصة في آسيا، فرصة لقطر للاستفادة من فائض السلع الناتج عن إعادة توجيهها من أسواقها التقليدية. هذا ما يمكّن الدولة من الحصول على مدخلات صناعية بأسعار مخفضة – من الآلات المتقدمة إلى قطع الغيار – وهو ما يساهم في تقليل التكاليف الرأسمالية، وتخفيف الضغوط التضخمية على الصناعات المحلية، خاصة مع توفر طاقة منخفضة التكلفة في السوق القطرية.
ثانيًا: البنية التحتية.. محور جديد في طرق التجارة
الأداة الثانية التي تمتلكها قطر هي رافعة البنية التحتية المتطورة. فمع إعادة رسم خريطة سلاسل الإمداد العالمية، وانحسار الانسيابية في خطوط التجارة التقليدية بين الشرق والغرب، تبرز منطقة الخليج العربي – وقطر تحديدًا – كموقع محوري في المسارات الجديدة.
ويوضح كازناتشيف أن ما شهدته قطر من توسعة وتحديث لمرافق الموانئ والمطارات، يجعل منها مركزًا لوجستيًا مؤهلاً للعب دور محطة رئيسية في شبكة التجارة الدولية. ويؤكد أن ضخ استثمارات إضافية في المناطق الحرة، والخدمات الجمركية المتكاملة، ومنشآت إعادة التصدير، سيعزز من موقع قطر كمركز إقليمي للتجارة والمعالجة.
مرونة استراتيجية واستثمار استباقي
يشدد كازناتشيف على أهمية أن تكون استجابة قطر للتحولات الاقتصادية العالمية استباقية لا دفاعية فقط. فالتقلبات الحالية تفتح الباب أمام فرص استثمارية قد تكون مواتية، لاسيما مع تراجع شهية المستثمرين الصينيين للاندماج والاستحواذ في الأسواق الغربية، مما يخلق فراغًا يمكن لقطر أن تملأه عبر استراتيجيات ذكية للاندماج والاستحواذ، خصوصًا في قطاعات مثل الصناعة، والخدمات اللوجستية، والتعدين.
ويختم كازناتشيف بالقول إن المرونة الاقتصادية ليست مجرد قدرة على الصمود، بل هي القدرة على التحرك والاقتناص في الوقت المناسب. وقطر، بما تمتلكه من أدوات مالية وهيكل إنتاجي متماسك، مؤهلة ليس فقط لاحتواء التحديات، بل لتحويلها إلى مسارات نمو مستدام.