تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل يربك الأسواق العالمية ويشعل أسعار الطاقة

أحدثت الضربات العسكرية المتبادلة بين إسرائيل وإيران منذ فجر الجمعة صدمة قوية في الأسواق العالمية، وخاصة في أسواق الطاقة، وفق تقرير موسّع أعدّته الصحفية الاقتصادية لوسي هوكر لصالح هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.
وأكد التقرير أن رد فعل الأسواق كان فورياً وعنيفاً، تمثل في قفزة ملحوظة في أسعار النفط والغاز، وسط مخاوف متزايدة من أن يؤدي اتساع رقعة الصراع في المنطقة إلى أزمة طاقة عالمية جديدة، تذكر العالم بالاضطرابات التي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022.
ارتفاع كبير في أسعار النفط
وبحسب التقرير، ارتفع سعر خام برنت – المؤشر العالمي لتسعير النفط – بأكثر من 10% صباح الجمعة، قبل أن يتراجع قليلاً ويستقر عند حدود 75 دولاراً للبرميل. ورغم أن هذا السعر لا يزال أدنى بنسبة 10% من مستواه قبل عام، وأقل بكثير من ذروته التي بلغت 130 دولاراً للبرميل في مارس/آذار 2022، إلا أن الأسواق تتعامل مع الوضع الحالي بحذر شديد نظراً لعدم القدرة على التنبؤ بمساره.
ويعود القلق الرئيسي إلى إمكانية تأثير التصعيد العسكري على طرق إمداد الطاقة العالمية، خصوصاً عبر مضيق هرمز الذي تمر عبره حوالي 20% من صادرات النفط في العالم، ما يجعله نقطة اختناق استراتيجية في منظومة الطاقة الدولية.
تأثير مباشر على المستهلكين
توضح “بي بي سي” أن آثار ارتفاع أسعار النفط لا تقتصر على الوقود في محطات البنزين، بل تمتد لتشمل سلاسل الإمداد الزراعية والصناعية والغذائية. فأسعار الوقود تؤثر في تشغيل المعدات، وتكاليف النقل، وأسعار الكهرباء، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل عام.
ويقول ديفيد أوكسلي، الخبير في مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس”، إن “كل زيادة بمقدار 10 دولارات في سعر برميل النفط تؤدي تقريباً إلى ارتفاع أسعار البنزين بنحو 7 سنتات في المحطة”، وهو ما ينعكس سريعاً على جيوب المستهلكين.
الغاز في الواجهة أيضًا
إلى جانب النفط، شهدت أسعار الغاز الطبيعي هي الأخرى قفزة ملحوظة، خاصة في الدول التي تعتمد بشكل كبير على الغاز في توليد الكهرباء، مثل المملكة المتحدة. ومع أن التدخلات الحكومية قد تؤخر وصول الأثر إلى المستهلك، إلا أن الزيادات المتواصلة في أسعار الطاقة تغذي الضغوط التضخمية وتعرقل جهود خفض أسعار الفائدة عالمياً.
مضيق هرمز.. عقدة التوتر
أبرز التقرير أهمية مضيق هرمز كعنصر حاسم في أمن الطاقة العالمي. وصرّح ريتشارد برونز، مدير قسم الجغرافيا السياسية في شركة “إنرجي أسبكتس”، بأن “أي تعطيل للمضيق ستكون له عواقب اقتصادية وخيمة”.
حتى الآن، لم يتم رصد أي تعطل فعلي لحركة الملاحة، لكن التهديد الإيراني المستمر بإغلاق المضيق كردّ على التصعيد، جعل من هذا السيناريو أكثر واقعية، ولو بشكل محدود، وهو ما يفسر التقلبات الفورية في أسعار النفط.
هل يعود النفط إلى حاجز 100 دولار؟
تحذر “بي بي سي” من أن تفاقم الأزمة وانخراط قوى إقليمية أخرى أو استهداف منشآت نفطية قد يدفع بأسعار النفط مجدداً إلى عتبة 100 دولار للبرميل. ورغم استبعاد هذا السيناريو في الوقت الراهن نتيجة الفوائض الإنتاجية لدى دول مثل السعودية والبرازيل، إلا أن احتماله يبقى مقلقاً للأسواق والمستثمرين.
تقدّر المؤسسة أن وصول النفط إلى هذا المستوى قد يضيف نحو 1% إلى معدلات التضخم في الاقتصادات المتقدمة، مما يزيد الضغط على البنوك المركزية التي تسعى لخفض الفائدة واستعادة الاستقرار الاقتصادي.
توقيت كارثي للاقتصاد العالمي
في السياق ذاته، نقل التقرير عن محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين في شركة “أليانز”، وصفه للأزمة بأنها “صدمة اقتصادية جديدة تأتي في توقيت بالغ السوء”، مشيراً إلى أن النظام الاقتصادي العالمي، الذي تقوده الولايات المتحدة، يعاني أساساً من اضطرابات بنيوية، وهذه الصدمة قد تزيد الأمور تعقيداً على المدى القريب والبعيد.
بين التفاؤل والحذر
ورغم الأجواء القاتمة، حاول الخبير ديفيد أوكسلي تقديم رؤية أكثر توازناً، مؤكداً أن “الاضطرابات في الشرق الأوسط ليست جديدة، وقد تنتهي هذه الجولة خلال أسبوع”، لكنه في الوقت ذاته لم يستبعد تصاعد التوترات ما لم تتحرك القوى الكبرى – وفي مقدمتها الولايات المتحدة – للتهدئة، خاصة في حال تطور الصراع ليشمل تعطيل الملاحة أو استهداف منشآت الطاقة.
في المجمل، تعكس التطورات الحالية هشاشة أسواق الطاقة العالمية، ومدى تأثرها بالمتغيرات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، ما يفرض تحديات مضاعفة على الاقتصادات الكبرى ويضع صناع القرار أمام اختبار جديد في موازنة المصالح الأمنية والاقتصادية.