اقتصاد

فايننشال تايمز: علاقة ترامب بالصين لغز بلا استراتيجية يربك العالم

في تحليل سياسي موسّع نشرته صحيفة فايننشال تايمز، وصف الكاتب إدوارد لوس العلاقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والصين بأنها “لغز عميق”، خالٍ من الاتساق والاستراتيجية، ويتسم بالارتجال والتقلب، مما يجعل من الصعب على واشنطن أو بكين استشراف توجهاته المستقبلية.

مواقف داخلية ثابتة وخارجية متقلبة

يشير التقرير إلى أن ترامب أظهر مواقف حاسمة في قضايا داخلية مثل الهجرة والعجز التجاري، إلا أن سياساته تجاه الصين اتسمت بتذبذب كبير، أشبه بلعبة حظ لا تخضع لأي منطق دبلوماسي أو اقتصادي.

ويقول الكاتب ساخرًا: “فيما يتعلق بالصين، يبدو أن كل شيء مرهون بلف عجلة الحظ. هل يهتم ترامب فعلًا بتايوان؟ ألقِ عملة في الهواء. هل يسعى لعزل اقتصادي عن بكين؟ ربما، وربما لا.”

مكالمة مزعومة وغضب صيني

تفاقم الغموض مع تصريحات ترامب لمجلة تايم في أبريل/نيسان، حيث ادّعى أن الرئيس الصيني شي جين بينغ اتصل به مؤخرًا، وهو ما نفته الخارجية الصينية بشكل رسمي، معتبرة ذلك “تضليلًا للرأي العام” وإن جاءت لهجتها معتدلة نسبيًا.

واعتبر التقرير أن محاولة فهم مواقف شي جين بينغ من خلال أقوال ترامب تُشبه “قراءة هلوسات الذكاء الاصطناعي”، في إشارة إلى عبثية وارتجالية تصريحات الرئيس الأميركي.

تايوان تحت المجهر وعدم ثقة في وزير الدفاع

وفي ظل تصاعد التوترات حول تايوان، صرّح وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث بأن التهديد الصيني “حقيقي وقد يكون وشيكًا”. غير أن التقرير قلّل من جدية هذا التصريح، واعتبره امتدادًا لاختيارات ترامب المثيرة للجدل، مشيرًا إلى أن هيغسيث يؤدي “دور وزير الدفاع كما لو كان في برنامج واقعي”، وهو ما يعمّق الفجوة بين واشنطن وحلفائها بشأن مدى مصداقية موقفها من القضية التايوانية.

سياسة تجارية بلا ملامح

أما في الشأن التجاري، فيكشف التقرير عن نهج ترامب المتقلب، حيث فرض رسومًا جمركية على المنتجات الصينية بنسبة 145%، ثم خفّضها إلى 30% بعد اتفاق مؤقت على استيراد المعادن الأرضية النادرة، ليعود لاحقًا ويتهم الصين بنقض الاتفاق ويهدد مجددًا بالتصعيد.

وتتمتع الصين بهيمنة تتجاوز 80% من إنتاج هذه المعادن، الضرورية في الصناعات العسكرية والإلكترونية، مما يجعل منها ورقة ضغط إستراتيجية لا يمكن تجاهلها.

ازدواجية في ملف التكنولوجيا

التقرير لم يغفل عن التناقضات في مواقف ترامب تجاه التكنولوجيا الصينية، حيث وصف تطبيق “تيك توك” في ولايته الأولى بأنه تهديد للأمن القومي، وسعى لحظره. لكنه اليوم لا يعارض استمراره، وسط شكوك بأن ذلك تمهيد لصفقة تجارية محتملة مع جهات مقربة منه.

أما في ملف تصدير الرقائق المتقدمة، فقد خفف بعض القيود التي فرضت سابقًا، بخلاف إدارة بايدن التي شددت الرقابة ضمن سياسة “السياج العالي حول فناء صغير”. ويُعتقد أن جينسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة “إنفيديا”، كان من أبرز المؤثرين في هذا التراجع.

اضطراب عالمي بسبب سياسات ترامب

ويشير التقرير إلى أن آثار ارتباك سياسة ترامب لا تقتصر على الصين، بل تمتد إلى النظام الاقتصادي العالمي. ففي قمة دولية حديثة، أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن امتعاضه من طابع القرارات الأميركية الشخصية، قائلًا: “لا نريد أن نتعلم كل يوم ما هو مسموح وما هو ممنوع بحسب مزاج شخص واحد”.

أما جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لمصرف “جي بي مورغان”، فقال صراحة: “الصين قد تكون عدوًا… لكن ما يقلقني فعليًا هو نحن”، في إشارة إلى التخبط الأميركي الداخلي.

الصين في حالة ترقب

تختتم فايننشال تايمز تقريرها بالتأكيد على أن بكين، كغيرها من العواصم العالمية، تواجه صعوبة في فك شيفرة نوايا ترامب. ومع غياب أي تواصل رسمي بينه وبين شي جين بينغ، لا يبدو أن الصين مستعدة للدخول في أي لقاء قد يوظفه ترامب لأغراض دعائية، كما حدث في لقاءاته السابقة مع قادة من أوكرانيا وجنوب أفريقيا.

وبذلك، يبقى ملف ترامب والصين ملفًا مفتوحًا على احتمالات غير متوقعة، تعكس سياسة شخصية متغيرة تؤثر بعمق على الاستقرارين الإقليمي والدولي، في وقت يبدو فيه أن الرئيس الأميركي لا يستند إلى بوصلة ثابتة… بل يُبدّلها مع كل منعطف.

زر الذهاب إلى الأعلى