اقتصاد

مصر تفاوض مستثمرين أجانب لإدارة مصانع الغزل والنسيج بعد تطويرها.. تساؤلات حول مستقبل “صناعة الأجداد”

تجري الحكومة المصرية مفاوضات مع مستثمرين أجانب لتولي إدارة وتشغيل مصانع الغزل والنسيج، وذلك عقب الانتهاء من عملية تطوير واسعة تُعد الأكبر منذ عقود في هذا القطاع، الذي كان يومًا ما أحد أعمدة الاقتصاد المصري.

فقد شهدت صناعة الغزل والنسيج تراجعًا حادًا منذ ذروتها، حينما كانت تسهم بنسبة تصل إلى 40% من الناتج الصناعي المصري، لتتراجع مساهمتها لاحقًا إلى ما بين 2.5% و3% فقط، قبل أن تبدأ الدولة تنفيذ خطة تطوير شاملة.

وأعلنت وزارة قطاع الأعمال العام عن الانتهاء من تطوير نحو 30 مصنعًا موزعة على 7 شركات تابعة، بمساحة إجمالية تصل إلى مليون متر مربع، في إطار مشروع قومي يهدف إلى إحياء هذه الصناعة الحيوية. غير أن اتجاه الحكومة لطرح إدارة هذه المصانع أمام مستثمرين أجانب أثار تساؤلات حول ما إذا كان هذا القرار يمثل تخليًا تدريجيًا عن الدور الحكومي في قيادة القطاع، أم أنه محاولة لإنقاذ ما تبقى من “قلعة صناعية” كادت تنهار.

انهيار زراعة القطن.. الجذور الأعمق للأزمة

على الجانب الزراعي، تراجعت زراعة القطن – التي كانت تمثل أساس هذه الصناعة – إلى مستويات غير مسبوقة. فبعد أن كانت المساحات المزروعة تتجاوز مليوني فدان خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، تقلّصت اليوم إلى أقل من 300 ألف فدان. وهو تراجع ارتبط مباشرة بتراجع الطلب المحلي على القطن الخام، وضعف منظومة التسويق، وعزوف الفلاحين عن زراعته بسبب تدني العائد الاقتصادي.

لماذا المستثمر الأجنبي؟

في تصريحات لوزير قطاع الأعمال العام، محمد شيمي، أوضح أن التفاوض مع مستثمرين من دول مثل الصين وتركيا، إلى جانب كيانات دولية متخصصة، يهدف إلى الاستفادة من خبراتهم في التشغيل والتسويق والتصدير، مؤكدًا أن هذا التوجه يأتي ضمن خطة لإعادة مصر إلى موقعها كمركز إقليمي لصناعة الغزل والنسيج والملابس، وجذب استثمارات أجنبية مباشرة.

مشروع قومي لإحياء الصناعة

أطلقت الدولة مشروعًا قوميًا ضخمًا لإحياء صناعة الغزل والنسيج عام 2023 بتكلفة تتجاوز 56 مليار جنيه مصري، موزعة بين 22 مليارًا لتطوير البنية التحتية، و640 مليون يورو لاستيراد المعدات الحديثة.

يتكون المشروع من ثلاث مراحل:

  • المرحلة الأولى: أُنجزت بالكامل، وتشمل مصانع “غزل 1″ و”غزل 4”.
  • المرحلة الثانية: بلغت نسبة تنفيذها 70%، وتُستكمل منتصف 2025.
  • المرحلة الثالثة: وصل التنفيذ فيها إلى 54%، ومن المقرر الانتهاء منها بحلول أبريل 2026.

وتهدف الدولة إلى استخدام كامل الإنتاج المحلي من القطن في المصانع الجديدة بدلًا من تصديره خامًا، ما يساهم في زيادة القيمة المضافة وتشجيع الفلاحين على العودة لزراعة القطن.

عقبات في الطريق

رغم الإشادة بالمشروع، انتقد أحمد عياد، رئيس الشعبة العامة للأقطان باتحاد الغرف التجارية، التباطؤ الكبير الذي شاب خطوات التطوير خلال السنوات الماضية. وأوضح أن الإنتاج الحالي لا يتجاوز مليوني قنطار، مقارنة بنحو 17 مليونًا في السابق، ما يعكس حجم الانحدار الذي طال هذا القطاع.

وأشار إلى أن أحد أسباب التراجع هو الاعتماد المتزايد على استيراد الأقطان الأرخص والأقل جودة، إلى جانب البيروقراطية وضعف استغلال الكفاءات المحلية. ودعا إلى تفعيل دور الخبرات المصرية بدلًا من الاعتماد على الحلول السريعة أو الاستثمارات الخارجية فقط.

أرقام تعكس أهمية الصناعة

بيانات رسمية صادرة عن مركز المعلومات التابع لرئاسة مجلس الوزراء أظهرت أن صناعة الملابس الجاهزة والغزل والنسيج تُعد من الركائز الأساسية للاقتصاد المصري، حيث:

  • تسهم بنحو 27% من الناتج الصناعي.
  • تُمثل حوالي 3% من الناتج المحلي الإجمالي.
  • تضم أكثر من 6500 شركة يعمل بها 2.5 مليون عامل.
  • بلغ إجمالي صادرات الملابس الجاهزة 2.45 مليار دولار في 2023، في حين سجلت صادرات الغزل والمنسوجات 1.13 مليار دولار في 2024.

من الريادة إلى الاستيراد

رغم الشهرة العالمية التي تمتع بها القطن المصري، يؤكد الدكتور محمد عبد المجيد، رئيس المجلس الأعلى للقطن بوزارة الزراعة، أن البلاد لم تعد تُعدّ منتجًا رئيسيًا لهذه السلعة الإستراتيجية. ويرى أن السبب يعود إلى غياب رؤية متكاملة لإعادة الاعتبار لصناعة الغزل والنسيج، مشددًا على أهمية الاستثمار في كل مراحل السلسلة الإنتاجية، من حلج القطن إلى التصنيع والتصدير.

وأشار إلى أن القطن لا يُستهلك غذائيًا ولا يُخزن بسهولة، ما يتطلب منظومة صناعية قوية تضمن استغلاله سريعًا وتحقيق أكبر قدر من القيمة المضافة، بدلًا من تصديره خامًا واستيراده لاحقًا على شكل منتجات تحمل شعار “مصنوع من القطن المصري”.

ختامًا

يمثل المشروع القومي لإحياء صناعة الغزل والنسيج فرصة تاريخية لاستعادة مكانة مصر في هذا القطاع، لكن نجاحه يتوقف على إدارة فعالة، وسياسات تسويقية مرنة، واستغلال أمثل للخبرات والكفاءات المحلية، بعيدًا عن البيروقراطية والتخبط في القرار. وبين الرغبة في جذب الاستثمارات الخارجية والحفاظ على الصناعة الوطنية، تبقى الأسئلة مفتوحة حول مآلات واحدة من أقدم وأعرق الصناعات في مصر.

زر الذهاب إلى الأعلى