اقتصاد

في تحول مفاجئ قلب موازين واشنطن: اتفاق مبدئي بين الصين والولايات المتحدة لتخفيف الرسوم الجمركية

في خطوة غير متوقعة شكّلت منعطفًا حاسمًا في الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، توصلت الصين والولايات المتحدة إلى اتفاق مبدئي يقضي بتخفيف الرسوم الجمركية المتبادلة. واعتبرت وكالة “بلومبيرغ” هذا التطور نتيجة تخطيط طويل الأمد من جانب بكين، قادته نخبة سياسية واقتصادية يقودها نائب رئيس الوزراء “خه لي فنغ”، أحد أبرز مهندسي السياسة الاقتصادية الصينية.

هدنة مؤقتة لـ90 يومًا: مساحة لإعادة التفاوض

الاتفاق، الذي دخل حيز التنفيذ في 14 مايو 2025، يتضمن هدنة مؤقتة لمدة 90 يومًا تُجمّد خلالها أي رسوم جديدة، مما يمنح الطرفين فرصة لإعادة النظر في أسس التفاوض والتوصل إلى حلول أكثر استدامة.

خه لي فنغ.. العرّاب الصيني للمفاوضات

يُعرف “خه لي فنغ” بأنه أحد أقدم المقرّبين من الرئيس شي جين بينغ منذ عملهما في مدينة شيامن الساحلية في الثمانينيات. ويشغل اليوم منصب نائب رئيس الوزراء وعضو المكتب السياسي، ويُعدّ من أبرز المخططين الاقتصاديين في البلاد، رغم افتقاره لخلفية أكاديمية دولية كالتي امتلكها سلفه “ليو هي”. لكنه يتميز بفهم عميق للاقتصاد الكلي وقدرة فائقة على إدارة الملفات الداخلية الحساسة.

فريق تفاوضي بتركيبة متكاملة

قاد “خه” وفدًا يضم نخبة من الأسماء البارزة، أبرزهم:

  • لي تشنغ قانغ، نائب وزير التجارة وخبير قانوني بارز في مكافحة الإغراق، يتمتع بخبرة أكاديمية في جامعة “هامبورغ” الألمانية، ويجيد الإنجليزية بطلاقة.
  • لياو مين، نائب وزير المالية، الذي شارك في مفاوضات سابقة خلال إدارة ترامب، ويُعرف بإلمامه الدقيق بتفاصيل العلاقات الاقتصادية مع واشنطن.

دبلوماسية ناعمة.. ورسائل ذكية

في مؤتمر صحفي عُقد في مقر بعثة الصين لدى منظمة التجارة العالمية في جنيف، خطف “لي تشنغ قانغ” الأضواء بجملته التي تحولت إلى عنوان رئيسي في وسائل الإعلام:
“كما نقول في الصين: إذا كانت الأطباق لذيذة، فالوقت لا يهم.”
عبارة مزجت بين الطرافة والثقة، وعبّرت عن تحول في النبرة الصينية التي كانت تُوصف سابقًا بالجفاف والتصلب.

قوة تفاوضية مدروسة

ما يميز الفريق الصيني هو توازن نادر بين:

  • الشرعية السياسية، إذ يرتبط أفراده مباشرة بالقيادة العليا.
  • الخبرة القانونية والتجارية، مع أكثر من عقدين من الخبرة في الملفات الدولية.
  • القدرة التفاوضية، حيث وصفه مسؤول أميركي سابق بأنه “خصم صلب ولكن بنّاء يحظى باحترام في واشنطن”.

وأكد “كيث روكويل”، المتحدث السابق باسم منظمة التجارة العالمية، أن “لي تشنغ قانغ” يعرف قواعد المنظمة بدقة، ولا يسمح بسهولة بالتفوق الأميركي.

تجميد مؤقت.. لا إنهاء للصراع

ورغم التفاؤل الحذر، يرى الخبراء أن الاتفاق لا يرقى إلى مستوى الحل النهائي، بل هو “تجميد مؤقت” يركّز على الرسوم الجمركية دون التطرق إلى الإشكالات العميقة، مثل:

  • حقوق الملكية الفكرية
  • حرية النفاذ إلى الأسواق
  • القيود المفروضة على التكنولوجيا

التكنولوجيا: ساحة صراع موازية

بالتزامن مع المفاوضات، صعّدت واشنطن خطواتها في ملف التكنولوجيا، معلنة أن استخدام رقائق “هواوي أسيند” للذكاء الاصطناعي يُعدّ خرقًا لقوانين التصدير الأميركية. كما وجّهت تحذيرات بشأن فشل التعاون مع بكين في ملف “الفنتانيل”، معتبرة أن له تبعات اقتصادية ودبلوماسية خطيرة.

صمود صيني في الأسواق العالمية

رغم الأجواء المشحونة، أظهرت الشركات الصينية قدرة لافتة على التكيف، إذ أعلنت شركة “كاتل” نجاح طرحها العام الأولي في بورصة هونغ كونغ، وجمعت قرابة 4 مليارات دولار، ما يعكس ثقة المستثمرين في الاقتصاد الصيني.

في المقابل، تكبدت شركة “سوني” اليابانية خسائر بنحو 700 مليون دولار نتيجة الرسوم الجمركية الأميركية، مما اضطرها إلى خفض توقعات أرباحها التشغيلية.

نحو مواجهة جديدة في “جيجو”

ومن المقرر أن يمثل “لي تشنغ قانغ” الصين في اجتماع وزراء التجارة بمنتدى “آبيك”، المقرر عقده في جزيرة “جيجو” الكورية الجنوبية، حيث يُنتظر أن يخوض جولة تفاوض جديدة أمام نظيره الأميركي “جيميسون غرير”، في اختبار جديد لقدرة الاتفاق على الصمود.

الصين تفاوض بمعرفة.. لا شعارات

وأثبتت بكين مجددًا أن قوتها التفاوضية لا تقوم على الشعارات، بل على التحضير العميق، وفهم دقيق لتعقيدات الاقتصاد العالمي. فالفريق الذي أرسلته إلى جنيف لا يُمثّل وزارة فقط، بل يعبّر عن دولة تعرف ما تريد، وتُحسن توقيت مبادراتها.

واعتبر البروفيسور “فيكتور شيه” من جامعة كاليفورنيا أن “خه لي فنغ” رغم ابتعاده عن الساحة الأكاديمية الغربية، إلا أنه يمتلك قدرة فريدة على اختيار الرجال المناسبين وإدارة الملفات المعقدة بثبات.

الصين لا تبحث عن التهدئة فقط… بل عن إعادة تشكيل النظام التجاري العالمي.

زر الذهاب إلى الأعلى