زيارة بن فرحان إلى دمشق: دعم اقتصادي وتحوّل إستراتيجي في العلاقات السعودية السورية

جاءت زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى سوريا على رأس وفد اقتصادي رفيع المستوى، في إطار التحرك الدبلوماسي المتسارع لإعادة دمج سوريا في محيطها العربي، وتعزيز اقتصادها في مرحلة التعافي الأولية، عقب رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عنها.
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره السوري أسعد الشيباني، أعلن الأمير فيصل أن المملكة، بالتعاون مع دولة قطر، ستقدم دعماً مالياً مشتركاً يهدف إلى إنعاش القطاع العام السوري. كما أوضح أن وفوداً سعودية متخصصة في مجالات الطاقة والزراعة وتكنولوجيا المعلومات ستزور دمشق خلال الأسابيع المقبلة لتعزيز مجالات التعاون الثنائي.
من جانبه، أكد الشيباني أن الاستثمار السعودي في سوريا يمثل فرصة حقيقية لخلق فرص عمل وتعزيز الاستقرار، مشدداً على أن دمشق تتبنى خيار “السيادة الاقتصادية”، وأن قوة الشراكة مع المملكة تنبع من المصالح المشتركة بين الطرفين.
تحالف إستراتيجي جديد
ووصف المحلل السياسي عبد الكريم العمر الزيارة بأنها “محطة تاريخية” تتوّج سلسلة من التحولات الإيجابية، من أبرزها لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع بنظيره الأميركي دونالد ترامب، وما تلاه من إعلان رفع العقوبات الأميركية، إضافة إلى زيارة المبعوث الأميركي إلى دمشق. وأشار العمر إلى أن أهمية الزيارة تتجاوز بعدها الاقتصادي، لتشمل أبعاداً سياسية وأمنية، باعتبارها خطوة نحو بناء تحالف إستراتيجي بين الرياض ودمشق بعد سنوات من القطيعة.
ورأى العمر أن هذا التقارب يعكس بداية تشكل محور إقليمي جديد يجمع سوريا وتركيا وعدداً من الدول العربية، في خطوة تهدف إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي وموقع سوريا كمركز توازن في الشرق الأوسط.
شراكة اقتصادية وتكامل تنموي
بدوره، أشار الخبير الاقتصادي فراس شعبو إلى أن الزيارة تمثل تحولاً إستراتيجياً في مقاربة السعودية للملف السوري، مؤكداً أن تصريحات الوزيرين ركزت بوضوح على مفهومي “الشراكة” و”التكامل الاقتصادي”، ما يعكس توجهاً بعيد المدى.
وبيّن شعبو أن المملكة مرشحة للعب دور محوري في تحريك عجلة التنمية في سوريا، من خلال مشاركتها المرتقبة في مؤتمرات إعادة الإعمار، واستثماراتها المباشرة في قطاعات حيوية مثل البنية التحتية، والمطارات، والكهرباء، والصناعات الدوائية والغذائية. كما لفت إلى الفرص الاستثمارية الكبيرة في قطاع الاتصالات، الذي تحظى فيه الشركات السعودية بخبرة رائدة.
وأشار إلى إمكانية مساهمة شركة أرامكو في تقديم دعم فني لقطاع المشتقات النفطية وتأهيل الحقول السورية، إضافة إلى إمداد البلاد بالطاقة في المراحل الانتقالية.
التزام خليجي مشترك
من جهته، ثمّن الخبير الاقتصادي السوري أسعد العشي الدور الريادي للسعودية في دعم الاقتصاد السوري، مشيراً إلى مساهمتها في رفع العقوبات، وتسديد متأخرات سوريا لدى البنك الدولي، وتقديم المساعدات الإنسانية، بالتنسيق مع دولة قطر. واعتبر أن هذه المبادرات تعزز متانة الشراكة السعودية السورية وتفتح الباب أمام تعاون طويل الأمد.
كما أشار العشي إلى أهمية الدعم القطري السعودي المشترك للقطاع العام السوري، معتبراً أن ذلك يعكس التزاماً حقيقياً بدعم الاستقرار الإداري والمعيشي في البلاد.
وأوضح أن يونيو/حزيران الجاري سيشهد سلسلة زيارات لوفود سعودية إلى دمشق، في خطوة تهدف إلى توسيع آفاق التعاون الاستثماري وتحسين الواقع المعيشي للمواطنين من خلال خلق فرص عمل جديدة.
فرص وتحديات
ورأى فراس شعبو أن هذا التقارب سيسهم في تحسين مستوى الخدمات واستحداث مشاريع تنموية، إضافة إلى احتمال تخفيف القيود المفروضة على العمالة السورية في السعودية، ما سيتيح تدفق تحويلات مالية مهمة، ويساعد على تحفيز النظام المصرفي السوري في حال استئناف الربط مع نظام “سويفت” العالمي.
في المقابل، حذّر شعبو من تحديات كبيرة قد تعرقل الاستثمارات، أبرزها ضعف البيئة القانونية وغياب الشفافية وتدهور البنية التحتية، لكنه اعتبر أن زيارة بن فرحان تمثل “منعطفاً اقتصادياً إستراتيجياً” ومقدمة ضرورية لتحسين الظروف الاقتصادية في البلاد.
وختم شعبو بالإشارة إلى أن زيارة الرئيس السوري إلى الكويت تعكس مزيداً من الانفتاح الخليجي تجاه سوريا، وتدل على أن العودة التدريجية لدمشق إلى محيطها العربي تسير في مسار متكامل يجمع بين الاقتصاد والسياسة.