الصحة

دور غير متوقع للدوبامين: من تعزيز المكافأة إلى إعادة تشكيل الذكريات السلبية

كشفت دراسة علمية حديثة عن دور غير متوقع للدوبامين، يفند النظريات السائدة التي تربطه حصريًا بتعزيز الشعور بالمكافأة. فقد تبين أن هذا الناقل العصبي يساهم في تقليل أهمية الذكريات المرتبطة بالمكافآت ويعيد تشكيلها بطرق قد تؤثر على السلوك مستقبلاً.

الدراسة أجراها باحثون من جامعة ولاية ميشيغان الأميركية، ونُشرت في دورية نيتشر كوميونيكيشن بيولوجي (Nature Communications Biology)، كما سلط موقع “يوريك أليرت” (EurekAlert) الضوء عليها.

ما هو الدوبامين؟

الدوبامين هو ناقل عصبي يصنعه الجسم ويستخدمه الجهاز العصبي لنقل الإشارات بين الخلايا العصبية. لطالما عُرف بدوره في توليد مشاعر المتعة، والمساعدة في التركيز والتخطيط، وتحفيز السلوكيات المرتبطة بالمكافأة.

إعادة تشكيل الذاكرة

الدراسة الجديدة، بقيادة الدكتور ألكسندر جونسون، الأستاذ المشارك في علم النفس بجامعة ولاية ميشيغان، كشفت عن أن الدوبامين لا يقتصر دوره على تعزيز الشعور بالمكافأة، بل يشارك في تعديل الطريقة التي تُسترجع بها الذكريات المرتبطة بتلك المكافآت مع مرور الزمن.

في التجارب، عُرضت على الفئران إشارات صوتية كانت قد ارتبطت في وقت سابق بطعام لذيذ الطعم، ما دفعها إلى استرجاع الذكرى الممتعة. لكن في الوقت ذاته، حفّز العلماء شعوراً غير مريح لديها – أشبه بما تسببه الأطعمة الضارة. وبعد زوال هذا الشعور، لاحظ الفريق أن الفئران بدأت تتجنب الاستجابة للإشارة الصوتية وكأنها ربطت الطعام الحلو بالتجربة السلبية.

آلية دماغية دقيقة

باستخدام تقنية متقدمة لرصد وتنشيط الخلايا العصبية المرتبطة بالذكريات، تمكن الباحثون من تحديد دور الخلايا المنتجة للدوبامين بدقة. وأكدت تجارب لاحقة، شملت التلاعب المباشر بهذه الخلايا، أن الدوبامين كان المفتاح في إعادة ربط الذكريات السارة السابقة بمشاعر سلبية.

واعتمد الفريق أيضًا على نماذج حاسوبية لمحاكاة كيفية تأثير إشارات الدوبامين على إعادة تشكيل الذكريات ذات الطابع المكافئ، مما عزز نتائجهم التجريبية.

نتائج تغير الفهم السائد

وعلّق الدكتور جونسون على نتائج الدراسة بقوله: “كانت النتائج مفاجئة تمامًا. لم نكن نتوقع أن يشارك الدوبامين في تعديل محتوى الذكريات بهذه الطريقة. هذا يعيد تشكيل فهمنا لدوره العصبي بشكل جوهري”.

وأشار إلى أن هذا الفهم الجديد قد يُحدث ثورة في مقاربة معالجة عدد من الاضطرابات النفسية مثل الإدمان والاكتئاب واضطرابات القلق، حيث يمكن في المستقبل استخدام هذه المعطيات لتقليل أثر الذكريات المؤلمة أو المُحفزة للسلوكيات غير المرغوب فيها.

آفاق علاجية واعدة

تفتح هذه الدراسة الباب أمام إمكانيات علاجية غير مسبوقة، إذ قد يصبح بالإمكان في المستقبل تصميم تدخلات عصبية تهدف إلى تقليل التأثير العاطفي للذكريات السلبية، مما يمنح الأمل لملايين الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات متعلقة بالذاكرة والعاطفة.

باختصار، يبدو أن الدوبامين، الذي اعتبر لفترة طويلة رمزًا للمتعة والمكافأة، يحمل في طياته أدوارًا أكثر تعقيدًا وعمقًا، تجعل منه محورًا مهمًا في فهم السلوك الإنساني والعلاج النفسي.

زر الذهاب إلى الأعلى