“أبو عبيدة” ينجح في تنفيذ خطة “اصطياد البط”، والاستنزاف العسكري يحبط أهداف إسرائيل
في سياق الحرب النفسية، يطرح أبو عبيدة، الناطق الرسمي باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مفهوم “اصطياد البط”، وهو مصطلح يشير إلى سقوط عدد كبير من جنود الاحتلال الإسرائيلي. يبرز هذا المصطلح الفعّالية الكبيرة لاستراتيجية الاستنزاف التي تجاوزت الأبعاد العسكرية لتشمل الجوانب الاقتصادية والسياسية. يظهر بوضوح أن إسرائيل لم تتمكن من تحقيق أهدافها على الأرض للرد على الهزيمة الإستراتيجية التي تكبدتها منذ بداية عملية “طوفان الأقصى”.
بعد مرور شهرين ونصف من الصراع، تظل إسرائيل في حالة من الارتباك السياسي والتخبط الميداني في قطاع غزة، حيث تتعرض لخسائر فادحة. في الوقت نفسه، يعاني سكان غزة من تداول متسارع لتبعات “الهزيمة الإستراتيجية”، حيث بلغ عدد الضحايا المدنيين أكثر من 19 ألف شخص نتيجة للعنف غير المسبوق. ومع ذلك، يُؤكد أن الحروب، وفقًا للمفاهيم العسكرية، لا تُحسم فقط بوسائل القتل والتدمير.
في تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”، تسلط الضوء على “الخسائر الإسرائيلية الأخيرة في ساحة المعركة في غزة”، مشيرة إلى أن “الهدف الشامل للجيش الإسرائيلي يظل بعيد المنال”. وتقول الصحيفة إن ارتفاع عدد القتلى الإسرائيليين في النطاق الحضري والبري في قطاع غزة، حتى في شمال القطاع، يُظهر “تحولاً في تكتيكات الحرب العسكرية”. وتنقل تصريحات المسؤول السابق في الموساد شالوم بن حنان الذي يشير إلى أن “في الأوساط العسكرية والأمنية بدأ البعض يشكك في الإستراتيجية”.
من جانبها، تشير صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية في تقرير لها إلى استمرار المعارك في شمال غزة، وتُشير إلى أن مدن رفح ودير البلح والتفاح والنصيرات والبريج لم تصلها القوات الإسرائيلية بعد. وتُظهر الصحيفة أن هذا الواقع “يدفع الجيش للاستنتاج بأن نهاية الحرب بعيدة شهورًا كثيرة، وأن كل إعلان عن قرب الحسم ضد حماس، وتدميرها، هو إعلان منفصل عن الواقع ووهم”.
سقوف عالية وأهداف إستراتيجية خائبة
كان “الرد الإستراتيجي” الإسرائيلي على أحداث يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي يحمل في طياته محاولة لإعادة بناء الأساطير التي تضررت، والتي تعزز تفوق إسرائيل على مستوى الجيش والسلاح والتكنولوجيا. وقد تجسدت الأهداف السياسية والعسكرية المباشرة وغير المباشرة في:
- تدمير المقاومة وتكبيد حركة حماس خسائر فادحة وقتل أو القبض على قادتها.
- تحرير الأسرى بالقوة العسكرية أو بشروط إسرائيل.
- وقف استهداف غلاف غزة والمدن الإسرائيلية بالصواريخ والمسيرات.
- تدمير الأنفاق وسلاح المقاومة وجعل غزة خالية من السلاح.
- إعادة احتلال غزة كليا أو جزئيا.
- وضع تقرير مستقبل غزة بما يتناسب مع أمن إسرائيل.
- إنهاء فكرة المقاومة في غزة وتفكيك بنيتها.
- تهجير الغزيين.
في المقابل، أدركت المقاومة، بقيادة حركة حماس في غزة، أنها، من خلال إنجازها الباهر في ذلك اليوم، قد ألقت بورقة قوية في يد إسرائيل، تهدف إلى وقف إطلاق النار ورفع الحصار، وتحقيق التقدم في ملف الأسرى. وعلى الرغم من تحقيق تلك الإنجازات، تدرك المقاومة أيضاً أن دخول إسرائيل للقطاع سيكون مصدر تعقيد كبير للجيش الإسرائيلي وستعزز هزيمته الإستراتيجية.
وتجسد مقولة “اصطياد البط”، التي استعرضها أبو عبيدة، تلخيصًا لإستراتيجية المقاومة، التي تركز على الصمود في الميدان، واستنزاف الجيش الإسرائيلي، وتكبيده خسائر كبيرة في المعدات والأفراد، وفضح ممارساته الوحشية، والضغط على المجتمع الإسرائيلي نفسيًا وسياسيًا.
الواقع الميداني.. استنزاف بلا نتائج
وفقًا للإحصائيات التي نشرها الجيش الإسرائيلي عبر موقعه الرسمي حتى يوم الخميس 15 ديسمبر الجاري، بلغ عدد القتلى الإسرائيليين 445 عسكريًا، من بينهم 119 ضابطًا من مختلف الرتب، و60 ينتمون إلى فرق النخبة. ومع ذلك، تشير المقاومة، من خلال المتحدث الرسمي باسم كتائب القسام، إلى أن العدد الفعلي للقتلى يتجاوز بكثير الأرقام الرسمية المعلنة، ويشير تقديرات ميدانية وتقارير إعلامية إسرائيلية إلى أن الخسائر الفعلية قد تصل إلى عشرة أضعاف الأرقام الرسمية.
وتوضح المعطيات أن الجيش الإسرائيلي فقد مئات الآليات، بما في ذلك 90 دبابة من طراز “ميركافا”، مما يمثل نحو 20% من ترسانتها الدباباتية. تقول تقديرات الخبراء العسكريين إن الشوارع والبنايات في غزة أصبحت متاهة معقدة وفخاخًا مميتة للجيش الإسرائيلي، وأن المقاومة تستخدم بفاعلية تكتيكاتها لاستنزاف القوات الإسرائيلية.
تشير التحليلات إلى أن الحملة الإسرائيلية فشلت في تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية المحددة، حيث لم تحقق سوى تدميرًا واسع النطاق وارتكاب جرائم وقتل المدنيين، مما أدى إلى تصاعد التوتر الداخلي والتدهور الاقتصادي في إسرائيل، وزيادة الخلافات السياسية الداخلية.
وتقارير المجلة تقارن الوضع الراهن في إسرائيل بما حدث مع الولايات المتحدة خلال حرب فيتنام، حيث يظهر أن الهدف من الحملة الإسرائيلية كان فقدان الهيمنة العسكرية والأداء القتالي المتواضع على الأرض، وتراكم الخسائر الاقتصادية والشرخ العميق في المجتمع الإسرائيلي.