الأخبار الدولية

هل يشير التصعيد على حدود لبنان إلى احتمال نشوب حرب بين حزب الله وإسرائيل؟

تشهد الوضع الاستراتيجي على الحدود اللبنانية، تدريجياً، اهتمامًا متزايدًا من قبل الحكومة الإسرائيلية والجهات الأمنية، خاصة بعد اغتيال القائد البارز في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، صالح العاروري، في العاصمة اللبنانية بيروت.

في المنطقة الشمالية وفي منطقة الجليل الأعلى، حيث تم إخلاء نحو 100 ألف إسرائيلي من المستوطنات الحدودية، تظهر الأمور في الوهلة الأولى بأنها أقل تعقيدًا، ولكن التوتر الأمني يتسارع بشكل مستمر.

حتى دون إقرار إسرائيل رسميًا بتنفيذ عملية اغتيال العاروري، يتفق محللون عسكريون على أن حدة التوترات في الجبهة الشمالية تتصاعد بشكل غير مسبوق منذ حرب لبنان الثانية في عام 2006.

وفقًا لمحللين إسرائيليين، يتسارع التوتر بشكل ينذر بمواجهة شاملة، ليس فقط بسبب رغبة حزب الله وحماس في الانتقام لاغتيال العاروري، ولكن أيضًا لأن إسرائيل تجد نفسها في مأزق يمكن أن يدفعها نحو خيارات عسكرية أوسع إذا فشلت الجهود الدبلوماسية في إبعاد مقاتلي حزب الله عن الحدود.

فرضية منهارة

رغم التوافق في تل أبيب على أن حزب الله أصبح “مرتدعًا وغير مهتم بحرب شاملة وواسعة”، يزيد تصاعد حدة التوتر الأمني من جدوى السيناريو الذي أطلقه وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، حيث يؤكد على ضرورة تنفيذ ضربة استباقية ضد الحزب.

وفي هذا السياق، يُتوقع أن تنغمس إسرائيل في سيناريو حرب شاملة على الجبهة الشمالية مع لبنان، خاصة بعدما استنتجت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية دروسًا من التصور الأمني حيال حركة حماس في قطاع غزة، حيث اعتبرتها “مرتدعة وغير مهتمة بحرب شاملة”. ومع ذلك، انهارت هذه الفرضية بشكل غير متوقع في هجوم مفاجئ في أكتوبر 2023.

ويرى المحلل السياسي بصحيفة “معاريف”، بن كسبيت، أن اغتيال العاروري يضع قرار حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، بشأن المشاركة في مواجهة شاملة أمام تحديات، ويعتبر ذلك في سياق حساس بالنسبة لإسرائيل، خاصة مع إعلان عودة حاملة الطائرات جيرالد فورد إلى الغرب وتقليص وجودها العسكري قبالة سواحل بيروت، ما يؤدي إلى تراجع الردع الإسرائيلي.

ويضيف أن نصر الله يدرك أن الأوضاع لا تزال غير مواتية له، حيث أعدت إسرائيل نفسها، وتم تجميع قوات الاحتياط في الشمال، وتم إخلاء السكان، ويحتفظ سلاح الجو بغالبية قوته في الجليل الأعلى. لذلك، تتسارع لعبة نصر الله بين الترهيب والتصعيد، ويبدو أنه يجب حسم هذه المواجهة قريبًا. وفي هذا السياق، يطرح تساؤل تل أبيب: هل ستتحول المواجهة مع حماس إلى حرب متعددة الجبهات؟

تحذير ووعيد

وفقًا لتقدير موقف “معهد أبحاث الأمن القومي” التابع لجامعة تل أبيب، يظهر أن حزب الله اللبناني أصبح “مرتدعًا وغير معني بتصعيد القتال على الحدود الشمالية”، وفقًا للخطابات والتصريحات الصادرة عن الأمين العام للحزب، حسن نصر الله.

تشير الباحثة في المعهد، أورنا مزراحي، إلى أن نصر الله قد جدد تحذيراته للقيادة الإسرائيلية بضرورة تجنيب نفسها إثارة حرب واسعة النطاق، خاصة بعد تهديدات تل أبيب برد قوي. وتشير إلى أن اغتيال العاروري في بيروت يعقد الوضع لنصر الله ويضعه في موقف حساس.

توضح مزراحي أن ملامح التصعيد تظهر من خلال عمليات الاغتيال في بيروت والعمليات العسكرية التي قام بها الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، ما تسبب في أضرار واسعة النطاق لبنية تحتية وأسلحة حزب الله، فضلاً عن اغتيال عدة أفراد وتأثيرات سلبية على سكان القرى اللبنانية التي ينطلق منها أعضاء الحزب.

ويشير المحلل العسكري عاموس هرئيل في مقال نشرته “هآرتس” بعنوان “لقد وعدت الحكومة بالتغيير في الشمال، وقد يدفع ذلك إسرائيل إلى تحرك عسكري أوسع”، إلى أن الوضع الميداني في الجليل الأعلى وعدم تلبية تطلعات السكان الإسرائيليين في البلدات الحدودية، إلى جانب التوتر الأمني المتزايد على الحدود اللبنانية، قد يدفع تل أبيب نحو شن عملية عسكرية واسعة وحرب شاملة مع حزب الله.

هرئيل يضيف أن الحكومة الإسرائيلية والجيش أكدا في وقت مبكر من التوتر على الحدود اللبنانية “التزامهما بتغيير الوضع”، مما يربطهما بالعملية العسكرية والحرب الشاملة مع حزب الله. ويتوقع أن يستمر تبادل إطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي وقوات الحزب على الحدود لعدة أشهر، حيث يحاول التحرك الدبلوماسي الأميركي والفرنسي التوصل إلى تسوية سياسية.

رد فعل قاس

وفقًا لتقديرات “معهد أبحاث الأمن القومي” التابع لجامعة تل أبيب، يرى المحلل العسكري عاموس هرئيل أن فرص نجاح الجهود الدبلوماسية ليست عالية، وعليه فإن هناك احتمالًا لأن تعتمد إسرائيل على التحرك العسكري بعد استنفاد الاتصالات الدبلوماسية.

ويشير هرئيل إلى أن تل أبيب قد اعتبرت سيناريو المواجهة مع حزب الله بعناية حتى قبل اغتيال العاروري، حيث تتوقع التوقعات الإسرائيلية أن يؤدي رد الحزب بشكل قوي على الاغتيال إلى تصاعد الأوضاع بشكل فعلي وشامل.

من جانبه، يرى المحلل العسكري في صحيفة “معاريف”، طال ليف-رام، أن اغتيال العاروري والغارات المكثفة في سوريا واستهداف مقرات تابعة لإيران تشكل رسالة واضحة موجهة إلى حسن نصر الله، تعبر عن استعداد إسرائيل للتصعيد في الحرب في لبنان.

ويوضح ليف-رام أن هذا الاغتيال وقع في سياق تصاعدي من الأحداث، حيث يجد نصر الله نفسه في موقف صعب حول كيفية الرد. ويرى أن إسرائيل، بعد الاغتيال، أصبحت الطرف الذي يضع زعيم حزب الله في موقف صعب حول تقدير كيفية التعامل مع الأمور، ويعتبر الاغتيال مرحلة جديدة في التصعيد.

ويشير ليف-رام إلى أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية قد أخذت بعين الاعتبار احتمال التدهور الأمني على الجبهة اللبنانية، ولكنها تقدر أن نصر الله قد يتجنب سيناريو حرب شاملة مع إسرائيل. ويشدد على ضرورة أن تكون قوات الدفاع الإسرائيلية جاهزة لرد عسكري يتجاوز الأنماط السابقة، مع التأكيد على أن الحرب القادمة ستكون أكثر صرامة.

زر الذهاب إلى الأعلى