غازبروم تتراجع بصمت عن مشروع مركز الغاز في تركيا وسط تعقيدات سياسية وفنية

كشفت وكالة بلومبيرغ أن شركة “غازبروم” الروسية قررت بهدوء التخلّي عن خطتها لإنشاء مركز لتوزيع الغاز في تركيا، وهو المشروع الذي كانت تعوّل عليه موسكو لاستعادة موطئ قدم في سوق الطاقة الأوروبية، بعد أن خسرت الجزء الأكبر منه إثر اندلاع الحرب على أوكرانيا عام 2022.
وبحسب مصادر مطّلعة، فإن الشركة الروسية “جمّدت عمليًا” جهودها المرتبطة بالمشروع بعد أشهر من دراسة جدوى استخدام الأراضي التركية كنقطة دخول بديلة إلى أوروبا، في ظل تعطّل خطي “نورد ستريم” واقتراب انتهاء اتفاقية عبور الغاز عبر أوكرانيا مع نهاية 2024.
مليارات مهدورة وفرصة ضائعة
كان السوق الأوروبي يشكّل المصدر الرئيسي لإيرادات “غازبروم”، حيث كانت الشركة تجني ما يصل إلى 8 مليارات دولار شهريًا من صادرات الغاز قبل الحرب. ورغم الدعم العلني الذي أبداه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لهذا المشروع، خاصة في أكتوبر/تشرين الأول 2022، إلا أن تحديات تقنية وسياسية أعاقت تنفيذه.
ووفقًا لما نقلته بلومبيرغ عن مصادر طلبت عدم الكشف عن هويتها، فإن بعض مديري “غازبروم” أبدوا منذ البداية شكوكًا بشأن جدوى المشروع، حتى قبل اتضاح الجوانب التنظيمية واللوجستية المتعلقة به.
معوقات تركية قلّصت النفوذ الروسي
وأشارت الوكالة إلى أن تركيا لم تكن تملك قدرة تصديرية كافية لتزويد أوروبا الجنوبية بكميات إضافية من الغاز، كما رفضت منح “غازبروم” حق تسويق الغاز بشكل مشترك، وهو ما قلّص من طموح موسكو في السيطرة على المركز المزمع.
وأضافت المصادر أن تركيا كانت تسعى إلى تسويق الغاز باسمها، فيما يقتصر دور “غازبروم” على التوريد فقط، وهو ما اعتبرته الأخيرة انتقاصًا من سيادتها على المشروع.
ويأتي هذا في وقت يواصل فيه الاتحاد الأوروبي تنفيذ خطة تدريجية لحظر واردات الغاز الروسي بالكامل بحلول 2027، مما يضيق أكثر الخناق على خيارات موسكو في السوق الأوروبية.
مشروع وُلِد سياسياً وفشل اقتصادياً
ظهرت فكرة المشروع للمرة الأولى خلال تصريحات للرئيس بوتين في أكتوبر 2022، عقب تفجيرات “نورد ستريم”، حيث اقترح إنشاء مسار بديل لنقل نحو 55 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا إلى أوروبا عبر البحر الأسود وتركيا.
لكن وفقًا لبلومبيرغ، فإن المشروع لم يكن من بنات أفكار “غازبروم”، بل طُرح في أروقة سياسية مقربة من الكرملين. وقد تفاجأ قسم التصدير في الشركة بترويج بوتين العلني للخطة، رغم غياب دراسة جدوى اقتصادية واضحة.
ورغم اهتمام بعض المسؤولين الأتراك بجعل تركيا مركزًا إقليميًا لتجارة الغاز، لم يشهد المشروع أي خطوات عملية تُذكر.
صمت رسمي… ومواقف متضاربة
رفضت “غازبروم” ومكتب نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، المكلف بملف الطاقة، التعليق على ما كشفته بلومبيرغ. كما لم يصدر أي رد فوري من الكرملين.
من الجانب التركي، امتنعت وزارة الطاقة وشركة “بوتاش” الوطنية للأنابيب عن الإدلاء بأي تصريح. إلا أن مسؤولًا تركيًا أشار إلى أن أنقرة ما زالت منفتحة على التعاون، معترفًا بأن المشروع “تأخر كثيرًا”.
الواقع الجديد… تراجع نفوذ روسيا الطاقي
أكدت بلومبيرغ أن قرار تجميد المشروع لا يؤثر على العقود الجارية بين روسيا وتركيا، والتي لا تزال من أبرز مستهلكي الغاز الروسي. إلا أن هذه الخطوة تبرز تقلّص هوامش المناورة الروسية في سوق الغاز الأوروبية، وتؤكد هشاشة تحالفاتها في ظل المشهد الجيوسياسي المتقلب.
فبعد أن كانت روسيا المورّد الأبرز لأوروبا، تجد نفسها اليوم محاصرة بخيارات محدودة، تعتمد فيها على اعتبارات سياسية وتحالفات ظرفية، بدلًا من قوة السوق أو القدرة التنافسية.