التعليم

حفتر وفاغنر يشكلان تحالفًا في ليبيا، بينما يخوضان صراعًا في تشاد

بعد مرور حوالي عقد من حكم الرئيس الليبي السابق معمر القذافي لبلاده بعد انقلاب عسكري في عام 1969، تجاوزت طموحاته وجهوده السيطرة الكاملة على الحكم وثروة النفط في ليبيا. بدأ القذافي في استهداف دور أكبر في قلب إفريقيا، واتجه جنوبًا نحو تشاد، الذي كان أحد أضعف جيرانه. استولى على منطقة “وادي الدوم” ونشر فيها قوات ضخمة تتألف من حوالي 7000 جندي وأكثر من 300 دبابة، وأقام مرافق عسكرية قوية مزودة بالألغام والمدافع وراجمات الصواريخ السوفيتية. أصبحت “وادي الدوم” واحدة من أكبر القواعد العسكرية في إفريقيا، وظن القذافي أنه من الصعب جدًا اقتحام هذه القاعدة.

لكن بعد مرور سنوات من وجود القوات الليبية في تشاد، اندلعت معارك عنيفة في شتاء عام 1987، حيث قاد الجيش التشادي هجومًا بمساعدة من فرنسا والولايات المتحدة، ونجح في استعادة عدة مدن من الجيش الليبي. وتحت هذا الضغط، ثارت ثورة داخلية ضد القذافي، وعين القذافي قائدًا جديدًا لقاعدة “وادي الدوم”، وهو العقيد “خليفة حفتر”، وأول جندي من الثوار. حاول حفتر بشكل غير منظم استعادة المنطقة، لكنه وجد نفسه في مواجهة الضابط التشادي “إدريس ديبي”، الذي أصبح فيما بعد رئيسًا لتشاد. بفضل تدريبه العسكري في فرنسا ودعمه من حكومة تشاد، نجح ديبي في تحقيق النصر في معركة وادي الدوم، مما أدى إلى هزيمة حفتر واستسلامه بعد خسارة العديد من جنوده وتدمير قاعدته العسكرية. بعد ذلك، تقدم ديبي في مساره السياسي وأصبح القائد العام للقوات المسلحة في تشاد.

حفتر وديبي.. فهم الحاضر من الماضي

شهدت تجربة الأسر حفتر عداءً عميقًا تجاه ديبي، وهذا العداء استمر لمدة أربعة عقود. وقد قام حفتر في وقت لاحق بدعم المعارضة المسلحة التشادية التي نفذت اغتيالًا لديبي في عام 2021. وعلى الرغم من هذا العداء، لم يمنع حفتر نفسه من الفرار من معاقل الأسر إلى الاستخبارات الأمريكية، التي كانت تخطط للإطاحة بالقذافي في ذلك الوقت. قرر حفتر بعد ذلك تغيير مسار حياته وانضم إلى “الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا” المعارضة لنظام القذافي. ووفقًا لمجلة “لو بوان” الفرنسية، نقلت عن المدير العام للأمن الخارجي الفرنسي بين عامي 1989-1993، اكتشفت الأجهزة الفرنسية أن الرئيس التشادي حسين حبري باع الأسرى الليبيين بمبلغ كبير إلى الاستخبارات الأمريكية، مما دفع حفتر إلى التفكير في تنظيم انقلاب ضد القذافي، وكان ذلك بدعم من الرئيس الأمريكي رونالد ريغان الذي رأى في حفتر بديلاً مناسبًا للقذافي الذي كان يسبب اضطرابات للولايات المتحدة في ذلك الوقت.

هذه العملية مثلت بداية نهاية الرئيس حسين حبري في تشاد، وقامت فرنسا بدعم ديبي الذي قاد انقلابًا على حكومته عام 1990 بمساعدة الاستخبارات الفرنسية وبدعم من القذافي نفسه. وبناءً على نفس النمط، حاول حفتر تنفيذ انقلاب ضد القذافي ولكن تم اكتشاف مخططه بسرعة، مما أدى إلى إعدام العديد من الضباط. فر إلى الولايات المتحدة وقضى حوالي عقدين في منفاه الاختياري في الكونغو، قبل أن يعود إلى ليبيا بعد الثورة التي اندلعت في عام 2011.

بعد سقوط القذافي، تمكن حفتر من توسيع نفوذه في ليبيا بمساعدة مجموعة متنوعة من المرتزقة والدعم الدولي. أطلق حملة عسكرية في عام 2014 للاستيلاء على كامل التراب الليبي، وتلقى دعمًا كبيرًا من قبل القوى الدولية ومرتزقة روسيين ومقاتلين محليين. كما استفاد من تشكيل تنظيم “الجبهة من أجل التناوب والوفاق” في جنوب ليبيا، وسمح لهم بالبقاء في المنطقة مقابل دعمه لهم. بعد مقتل ديبي وصعود ابنه إلى السلطة، بدأت فصول جديدة من الصراع بين حفتر وديبي الابن.

حفتر وفاغنر وديبي الابن.. للقصة بقية

بدأت القصة عندما أبرم خليفة حفتر صفقة لاستقدام المرتزقة التشاديين وتزويدهم بالأسلحة. ومع ذلك، لم تكن الصفقة الأخطر إلا بعدما قام بتقديم هؤلاء المرتزقة للتدريب من قبل مقاتلي فاغنر الروس، الذين ساهموا في تأهيلهم وتزويدهم بالأسلحة التي سمحت لهم في النهاية باغتيال الرئيس التشادي. تعتبر هذه العملية محطًا هامًا في تاريخ الوجود الفرنسي في أفريقيا، حيث اعتبر مقتل الرئيس التشادي هذا خسارة كبيرة، وفتحت بابًا لظهور فراغ جيوسياسي تجاذبت حوله روسيا والولايات المتحدة.

وبناءً على تصريحات السفير الأمريكي لليبيا، ريتشارد نورلاند، فإن الاستخبارات الأمريكية علمت أن المرتزقة التشاديين الذين كانوا في ليبيا تلقوا تدريبًا من قبل مقاتلي فاغنر وقوات حفتر، وأن فاغنر نفسه شارك في هجوم أسفر عن مقتل الرئيس ديبي.

بالإضافة إلى ذلك، تم نقل مئات السيارات التابعة لفاغنر من ليبيا لدعم حميدتي في صراعه مع الجيش السوداني. وتُظهر هذه التطورات كيف أن حفتر وفاغنر والمعارضة التشادية دعموا جميعًا حميدتي في صراعه على السلطة، وهو الأمر الذي اتهم به الجيش السوداني.

يظهر أيضًا أن الولايات المتحدة تلعب دورًا في تلك الأحداث، حيث تمكنت من الكشف عن تعاون فاغنر مع جماعات تشادية مسلحة للتخلص من الرئيس ديبي الانتقالي والاستيلاء على السلطة.

بالنسبة للرئيس ديبي الابن، فإنه لم يتبع نهج القادة الأفارقة الذين رفعوا شعار تحقيق الاستقلال والتخلص من الاستعمار. بدلاً من ذلك، حافظ على العرش بنفس الأسلوب الذي تبناه والده. ورغم محاولة والده التقرب من روسيا في النهاية بعد التوتر مع فرنسا، إلا أن تقلب التحالفات أثر بشكل سلبي على العلاقة بين موسكو وتشاد. وتسببت دعم ديبي الأب للجماعات المسلحة في خلق أزمة دبلوماسية بين تشاد وروسيا، ثم تلاها هجوم متمردي جبهة التغيير والوفاق بمساعدة مقاتلي فاغنر، مما أدى إلى اغتيال الرئيس ديبي.

زر الذهاب إلى الأعلى