اقتصاد

تداعيات طوفان الأقصى ومشهد عالمي مفكك الاقتصاد 2023

تحليل اقتصادي لعام 2023: تداعيات الأحداث الاقتصادية الكارثية وتوقعات صندوق النقد الدولي

يظهر بوضوح أن السنوات القليلة الماضية كانت فترة عدم استقرار مالي واقتصادي عالمي، حيث شهد الاقتصاد العالمي أحداثاً سلبية بارزة، بدءًا من انهيار أسعار النفط في منتصف عام 2014، وصولاً إلى جائحة فيروس كورونا في نهاية 2019 وبداية 2020، والتداعيات السلبية للحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، وصولاً إلى طوفان الأقصى وما تبعه من اعتداءات إسرائيلية وحرب إبادة في غزة.

وفي سياق التحليل الاقتصادي، أشار تقرير صندوق النقد الدولي في “آفاق الاقتصاد العالمي.. أكتوبر/تشرين الأول 2023” إلى هشاشة النمو الاقتصادي العالمي الحالي، الذي لا يتجاوز 3% في 2023، ويتوقع أن يكون 2.9% فقط في عام 2024.

وفيما يتعلق بمعدل التضخم، توقع التقرير ارتفاعه إلى 5.9% في عام 2023، مع تراجع متوقع إلى 4.8% في 2024.

من ناحية أخرى، استمر الصراع الأميركي الصيني كعلامة بارزة في العلاقات الاقتصادية الدولية، حتى بعد لقاء رئيسي البلدين في الولايات المتحدة خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2023. ورغم المحادثات، لم تتوصل البلدين إلى اتفاق بشأن قضايا حساسة مثل حظر التكنولوجيا الأميركية عن الشركات الصينية.

يجدر بالذكر أن الصراع الأميركي الصيني يمثل صراعًا مصالحيًا يفتقر إلى الأيديولوجيا، حيث يظل كل طرف متمسكًا بالنظام الاقتصادي الرأسمالي، مما يشير إلى استمرار تفوق الأثرياء على حساب التوزيع العادل للثروة، حتى في حال عودة العلاقات إلى وضعها الطبيعي.

 ارتهان اقتصاد العالم لسياسة سعر الفائدة الأميركية

تأثر الاقتصاد العالمي في عام 2023 بتحديات اقتصادية متعددة، حيث شهدنا استمرار ارتفاع أسعار الفائدة، خاصة في الأسواق الأميركية، مما أثر بشكل بارز على أسواق المال وأدى إلى زيادة تكلفة التمويل في الدول النامية والصاعدة.

يعود أصل هذه التحديات إلى أحداث الحرب الروسية في أوكرانيا في نهاية فبراير/شباط 2022، والتي أدت إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط والغاز، متبوعًا بارتفاع في تكلفة أسعار الغذاء، ما أثار مخاوف من تكرار أزمتي الطاقة والغذاء التي شهدها الاقتصاد العالمي في عامي 2006 و2007.

تسارعت معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث بلغت 9.1% في تلك الفترة، مما دفع صانعي السياسة المالية إلى اتخاذ إجراءات، بما في ذلك تعديل سياسة أسعار الفائدة لامتصاص التضخم الارتفاع.

وفي هذا السياق، اتخذت أسعار الفائدة مسارًا تصاعديًا، حيث وصلت إلى نطاق 5.25% – 5.5%، قبل أن يقرر المجلس الفدرالي الأميركي في اجتماعه الأخير في ديسمبر/كانون الأول 2023 تثبيتها عند هذا المستوى.

“في الاجتماع الأخير للبنك المركزي الأميركي، ألمح إلى نهاية التشديد التاريخي للسياسة النقدية الأميركية، مع توقع انخفاض تكاليف الاقتراض في عام 2024.

وأثر ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة بشكل سلبي على الساحة الاقتصادية على مستوى الولايات المتحدة وحول العالم. في الساحة الأميركية، أدى ذلك إلى انهيار بنوك كبيرة بسبب تشوه في هيكل تمويلها الذي اعتمد على أسعار فائدة منخفضة. وقد استدعى ذلك سحب المودعين لإيداعاتهم، مما أدى إلى أزمة سيولة، ولكن تدخلت الحكومة الأميركية بسياسة دعم لهذه البنوك من خلال توفير السيولة الضرورية، وبالتالي تم تجاوز أزمة البنوك الأميركية وإنقاذها من الإفلاس.

معدلات النفط الغامضة

منذ بداية عام 2023، شهدت أسواق النفط تقلبات مستمرة، سواء بسبب تباين أداء النمو الاقتصادي أو بسبب التطورات السياسية المتلاحقة. على الرغم من استقرار أسعار النفط حول متوسط 85 دولارًا للبرميل لخام برنت في الفترة من يناير إلى مايو 2023، إلا أن الفترة من مايو إلى سبتمبر شهدت هبوطًا ملحوظًا لتصل إلى 72 دولارًا للبرميل.

في سبتمبر 2023، شهدت أسعار النفط تحسنًا مؤقتًا، حيث ارتفعت إلى أكثر من 90 دولارًا للبرميل، ولكن هذا الارتفاع لم يستمر طويلاً، حيث عادت إلى التراجع في ديسمبر 2023. يشير الوضع الحالي إلى تأرجح أسعار خام برنت بين 75 و76 دولارًا للبرميل، بالمقابل 71 دولارًا للخام الأميركي، على الرغم من إعلان تحالف أوبك بلس عن تخفيضات إضافية في سقف الإنتاج.

من ناحية أخرى، لم تؤدي الأحداث السلبية الاقتصادية التي تعيشها غزة بسبب حرب إسرائيل وتداعياتها، وكذلك التحديات التي فرضتها جماعة الحوثي على حركة السفن الإسرائيلية، إلى ارتفاع أسعار النفط. وهذا يجسد التعقيدات الغامضة التي تحكم معادلة النفط في السوق الدولية.

في أوروبا، تم التعامل مع أزمة أسواق النفط والغاز في عام 2023 بما يمكن تسميته بـ ‘استيعاب الأزمة’، حيث تم إدارة الأزمة بشكل جماعي مع محاولة فرض سعر موحد للنفط الروسي. هذا الإجراء ساهم في تخفيف الأعباء المالية على الدول الأوروبية، ولكن لا يزال الوضع غير واضح، خاصةً مع ارتفاع فاتورة الطاقة للدول الغربية بعد أزمة الحرب الروسية – الأوكرانية.”

في الساحة العالمية، لا يزال سعر الفائدة في السوق الأميركية يقود أسواق المال العالمية، ويؤثر على سياسات الفائدة في باقي الدول. هذا يتسبب في مشكلات تتعلق بالديون العامة وزيادة العجز في الموازنات العامة، خاصة في الدول التي تعتمد اقتصاداتها على الدولار.

في المنطقة العربية، خاصة في دول الخليج، يظهر تماهيًا ملحوظًا حين يتخذ المجلس الفدرالي الأميركي قرارًا برفع أسعار الفائدة، حيث تقوم بنوك المنطقة بمتابعة هذا الاتجاه برفع أسعار الفائدة أيضًا.

 واقع الاقتصاد العربي

تظهر الواقع الاقتصادي للدول العربية تنوعاً ملحوظًا، مما يجعله صعب التصنيف بأنه اقتصاد متجانس، سواء من حيث الأداء أو النتائج. يمتلك الدول النفطية في منطقة الخليج والعراق والجزائر وليبيا بنيات اقتصادية وهياكل مالية مميزة.

بجانب ذلك، هناك دول غير نفطية مثل مصر، والمغرب، والأردن، وتونس، ولبنان، ودول أخرى تعاني من مستويات فقر متفاوتة مثل السودان وموريتانيا واليمن، وجيبوتي والصومال وجزر القمر.

فيما يتعلق بالاقتصادات النفطية، فإن الوضع المالي كان أفضل خلال عام 2023 بفضل ارتفاع أسعار النفط، مما ساعد الدول النفطية على تحقيق فوائض مالية وتحسين أرصدتها من النقد الأجنبي. ورغم ذلك، تظل مشكلات هذه الاقتصادات قائمة نظرًا لاعتمادها بشكل كبير على النفط.

أما بالنسبة للدول ذات الاقتصادات المتنوعة والتي تصنف كمتوسطة الدخل، فإن معظمها تواجه أزمات تمويل، ويمكن وصف الوضع في مصر وتونس بأنه ‘خانق’. وفي لبنان، فإن الأمور لا تزال تعقيدية رغم التفاؤل باتفاق الحدود البحرية، حيث لم يتم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وتظل الوضعية المالية ومستوى المعيشة سلبيين.

في المغرب والأردن، تواجه البلدين مشكلات اقتصادية، ولكنهما لا يعانيان من صعوبات في الحصول على تمويلات من المؤسسات الدولية، بينما يظل الوضع تحت التوتر في مصر وتونس ولبنان.

أما فيما يتعلق بالدول التي شهدت أزمات اقتصادية واجتماعية، مثل ليبيا وسوريا واليمن والسودان والصومال والعراق، فإن حدة المشكلة تختلف من بلد إلى آخر. وفيما يتعلق بالسودان، يشير الوضع الجديد إلى تجهيز البلاد بشكل قوي نحو التفكك الدولي وتعريض مواردها الاقتصادية للتأثيرات الناجمة عن النزاعات المستمرة.

زر الذهاب إلى الأعلى