التعليم

تحول صراع في السماء، ما يعرف بحرب أوكرانيا، إلى أول معركة حقيقية للطائرات بدون طيار “الدرونز” في العالم

في سماء أوكرانيا المزدحمة، شهدت الحروب الجوية تطورًا جديدًا حيث تم استخدام الطائرات بدون طيار المتقدمة بشكل لم يسبق له مثيل في الصراع. يمكن رؤية مجموعات من الدرونز المزودة بكاميرات، والتي عادة ما تُستخدم في أعمال التجسس، وتتصادم ببعضها في جدال جوي يُشبه مواجهات الدربيات الجوية القديمة.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن مشاهدة طائرات بدون طيار متقدمة تستخدم تقنيات مبتكرة تعتمد على الذكاء الاصطناعي وأحدث تقنيات هندسة الطيران، حيث تشكل شبكة من النيران بهدف عرقلة تحليق الطائرات المعادية. تعلق “كيتلين لي”، الرئيسة التنفيذية لمركز المركبات الجوية غير المأهولة والدراسات المستقلة في معهد “ميتشل” لدراسات الفضاء في أرلينغتون بولاية فيرجينيا: “هذا أمر لم نشهده من قبل، إن هذه هي المرة الأولى التي نشاهد فيها الطائرات بدون طيار تشارك بشكل كامل في الصراع”.

قوة الدرونز

تم تطوير أولى المركبات الجوية بدون طيار أو “الدرونز” في بريطانيا والولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الأولى. تم اختبار أول طائرة بدون طيار تسيِّر عن بعد باستخدام الراديو في بريطانيا في مارس/أذار 1917، بينما نفذت الولايات المتحدة تجاربها الأولى في أكتوبر/تشرين الأول 1918. على الرغم من نجاح تلك الاختبارات، إلا أنه لم يتم استخدام الدرونز عملياً أثناء الحرب.

في الفترة ما بين الحربين، تم استمرار تطوير واختبار الدرونز. في عام 1935، أنتج البريطانيون عددًا من الطائرات القابلة للتحكم عن بعد، ويُعتقد أن مصطلح “الدرون” بدأ في الاستخدام في هذا الوقت. تم نشر طائرات الاستطلاع بدون طيار لأول مرة على نطاق واسع في حرب فيتنام، ومن ثم بدأت دول أخرى في استكشاف تكنولوجيا الدرونز. تطورت النماذج لتصبح أكثر تعقيدًا مع تحسين القدرة على التحمل والقدرة على الحفاظ على ارتفاع أكبر أثناء الطيران.

منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، شهدت الولايات المتحدة زيادة كبيرة في استخدام الطائرات بدون طيار. استُخدمت هذه الطائرات بشكل رئيسي للمراقبة في المناطق ذات التضاريس الوعرة التي لا تستطيع القوات البشرية الوصول إليها بأمان، وتم استخدامها أحيانًا كأسلحة قتالية. ورغم القضايا الأخلاقية والحوادث التي تمثلت في الاستهداف الخاطئ، إلا أن هذه الحوادث لم تُوقِف استخدام وتطوير الدرونز.

بداية جديدة من سماء أوكرانيا

في يوم السبت الموافق 29 أكتوبر/تشرين الأول 2022، تعرض الأسطول البحري الروسي في البحر الأسود لهجوم من قِبَل 16 طائرة بدون طيار. يُعتَقَد أن أوكرانيا هي الجهة التي نفَّذت هذا الهجوم، ورغم عدم معرفة حجم الأضرار التي نجمت عنه، إلا أن مقطع الفيديو الذي سجلته الطائرات دون طيار المهاجمة أظهر عدم قدرة السفن على تفادي الهجوم.

استجابةً لهذا الهجوم ولهجمات أخرى ناجحة، قامت روسيا بإطلاق العشرات من الصواريخ والطائرات بدون طيار من طراز “شاهد-136” الإيرانية الصنع، والتي استهدفت أنظمة الكهرباء والمياه في مختلف مناطق أوكرانيا.

في الحقيقة، أصبح جزءًا كبيرًا من الصراع في أوكرانيا يدور في الجو، وذلك باستخدام القذائف الصاروخية والصواريخ المجنحة، بالإضافة إلى تزايد الاعتماد على استخدام الطائرات بدون طيار. بدأت المعارك الأولية باستخدام طائرات بدون طيار تجارية، والتي تتميز بتكلفتها المنخفضة وارتفاعها المحدود، مثل طائرات “كوادكوبتر” التي تعتمد على 4 مراوح أفقية للدفع والإقلاع والهبوط العمودي.

عادةً ما لا تشكل هذه الطائرات الصغيرة مصدر قلق كبير ويمكن تدريب الدفاعات الجوية على اكتشافها بسهولة. ومع ذلك، يمكن لهذه الطائرات أن تُلتَقَط وتُحلَق بواسطتها معلومات عديدة، مما يُؤدي إلى إصدار العديد من التنبيهات الزائفة. تشكل مشكلة أخرى للدرونز الصغيرة هي توفرها بكميات كبيرة بأسعار معقولة، وعلى الرغم من عدم قدرتها على تسبب أضرار هائلة، إلا أنها تشكل تهديدًا للعديد من الأهداف الحيوية وتسمح لمجموعات محدودة بمهاجمة أعداء أكبر بكثير منها من حيث القوة والموارد.

مؤخرًا، تم رصد نسخة متطورة من الطائرات بدون طيار المعروفة بمسيرات “شاهد” الإيرانية في الجانب الروسي. تُستخدم هذه الطائرات المثلثة الشكل والمزودة بمروحة دافعة لتحقيق أهداف معينة، وعادةً ما تُطلق في مجموعات تتألف من 5 طائرات. يُعتَقَد أنه يمكن تدميرها بسهولة نسبيًا، ولكن العثور عليها يمكن أن يكون صعبًا، حيث تحلق على ارتفاع منخفض بسرعة منخفضة بما يكفي لتجعلها تبدو كطيور مهاجرة، مما يجعلها تفوق عادة الرادارات في التعرف عليها.

عندما تُطلَق هذه الطائرات بدون طيار على دفعات، مثلما يفعل الجانب الروسي، يزيد ذلك من صعوبة اعتراضها حتى بواسطة أفضل أنظمة الدفاع الجوي، وبالتالي تصبح قادرة على تحقيق أضرار كبيرة. في أكتوبر/ تشرين الثاني من عام 2022، قالت أوكرانيا إنها أسقطت ما نسبته 70% أو أكثر من هذه الطائرات الصغيرة بدون طيار، لكن النسبة المتبقية كانت كافية للتسبب في إضعاف واستهداف الشبكة الكهربائية في البلاد.

تقديرات تشير إلى أن روسيا أرسلت حوالي 400 طائرة بدون طيار هجومية إيرانية الصنع إلى أجواء أوكرانيا منذ أغسطس/آب حتى نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2022. وعلى الرغم من أن هذا العدد يعتبر صغيرًا بالنسبة للصواريخ العديدة التي تستهدف البلاد، إلا أن اعتراض الطائرات بدون طيار التي تحلق في مجموعات يمكن أن يكون أكثر تحديًا. يُشير الخبراء إلى أن تكلفة تصنيع هذه الطائرات منخفضة نسبيًا، مما يسمح بإرسالها بأعداد متزايدة بشكل مستمر.

بحلول بداية نوفمبر، كانت أوكرانيا تواجه نفادًا تدريجيًا لصواريخ الدفاع الجوي اللازمة لمكافحة هذه الطائرات. وقال نائب رئيس الوزراء الأوكراني “ميخائيل فيدوروف” في تلك الفترة: “خلال الأسبوعين الماضيين، زاد اقتناعنا بأن حروب المستقبل ستكون قائمة على استخدام الحد الأقصى من الطائرات بدون طيار والحد الأدنى من البشر”.

وبالإضافة إلى ذلك، تُستخدم أوكرانيا العديد من الدرونز في الحرب، بما في ذلك مسيرات بيرقدار التركية، ولكنها تُظهِر التقنيات المتقدمة مع استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات الدرونز. هذا التطور يمكن أن يكون ثورة كبيرة في استخدام الطائرات بدون طيار في المستقبل، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد الطائرات على استكمال مهام

تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي يجري تطويرها بواسطة العديد من شركات الطائرات بدون طيار الأوكرانية تمثل قفزة مبتكرة في سوق الطائرات بدون طيار في كييف. تتضح أهمية هذه التحسينات في السرعة ومدى الطيران وقدرة الحمولة وغيرها من القدرات على الساحة الحربية، حيث ساعدت أوكرانيا على تدمير المركبات الروسية، وتفجير مراكز المراقبة، وحتى تدمير أجزاء من جسر القرم الشهير.

بالرغم من أن أوكرانيا لم تكن بيئة لابتكار الطائرات بدون طيار من الأساس، إلا أن اندماج متطلبات الحرب جعلها مركزًا لتطوير الدرونز. جذبت هذه البيئة استثمارات من رجال الأعمال المشهورين، بما في ذلك الرئيس التنفيذي السابق لشركة جوجل “إريك شميدت”. حاليًا، تشارك أكثر من 200 شركة أوكرانية مع وحدات عسكرية في تعديل وتعزيز الطائرات بدون طيار لتحسين قدرتها على القتل والتجسس على العدو.

في يونيو الماضي، أشار تقرير نُشر في صحيفة “لوموند” الفرنسية إلى أن روسيا وأوكرانيا شهدتا حربًا بدون طيار “غير مسبوقة”. ومنذ بداية الغزو الروسي، تم استخدام مئات الطائرات بدون طيار يوميًا من قبل الجيشين. وفقًا لتقرير نُشر من قبل المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI) في مايو، يفقد الجيش الأوكراني الآن حوالي 10 آلاف طائرة بدون طيار شهريًا في ساحة المعركة، أي أكثر من 300 طائرة يوميًا. هذا العدد الهائل غير مسبوق في تاريخ الصراعات الحديثة، على سبيل المقارنة، يمتلك الجيش الفرنسي حاليًا أكثر من 3 آلاف طائرة بدون طيار في ترسانته.

زر الذهاب إلى الأعلى