الصحة

اكتشاف علمي يحلّ لغز تحوّل الخلايا المعوية ويفتح آفاقًا جديدة لعلاج سرطان القولون

توصل باحثون من مركز السرطان التابع لجامعة كولورادو في الولايات المتحدة إلى حلّ لغز بيولوجي بالغ الأهمية، يتمثل في اكتشاف الآلية التي تُمكّن الخلايا المعوية من التحوّل إلى خلايا جذعية متجددة. ويُعدّ هذا الاكتشاف واعدًا، إذ يفتح آفاقًا جديدة لعلاجات أكثر فعالية لسرطان القولون والمستقيم، إضافة إلى أنواع أخرى من السرطان.

تُعرف الخلايا الجذعية بأنها خلايا غير متمايزة تملك القدرة على توليد أنواع متخصصة من الخلايا ضمن الأنسجة التي توجد فيها. وعلى عكس الخلايا العادية التي تمر بدورة حياة منتظمة من النمو والانقسام والموت، تلعب الخلايا الجذعية دورًا حاسمًا في تجديد الأنسجة، خصوصًا في الجلد والدم، اللذين يحتاجان إلى ترميم مستمر. ويُعدّ تمايز الخلايا — أي تحولها إلى خلايا متخصصة كخلايا الدم أو العضلات أو الأعصاب — عملية أساسية في بناء الكائنات متعددة الخلايا. وبالرغم من أن الخلايا المتمايزة لا تعود عادةً إلى حالتها الأصلية، فإن هناك استثناءات نادرة، وهو ما أثار فضول الباحثين منذ سنوات.

وقد نُشرت نتائج الدراسة في مجلة Nature Cell Biology، وشارك فيها كل من الدكتور بيتر ديمبسي، أستاذ طب الأطفال وعلم الأحياء بكلية الطب في جامعة كولورادو، والدكتور جاستن برومبو، الأستاذ المساعد في علم الأحياء الجزيئي والخلوي والتنموي بجامعة كولورادو بولدر. وأشار الباحثان إلى أن الأمعاء تتمتع بقدرة تجديد استثنائية، إذ تستطيع الخلايا المعوية العودة إلى حالتها الجذعية المتجددة عقب الإصابة، ثم تستأنف أداءها الطبيعي بعد انتهاء عملية الإصلاح.

المفتاح الجزيئي للتحوّل

يقول الدكتور برومبو إن الفريق العلمي كان يسعى منذ وقت طويل لاكتشاف “المفتاح” الجزيئي الذي يُعيد برمجة الخلايا المعوية إلى خلايا جذعية. ومن خلال دراسات على نماذج حيوانية، تبيّن أن بروتينًا يُدعى هيستون H3 — أحد البروتينات الأساسية في تنظيم الجينات — يلعب دورًا محوريًا في هذا التحوّل. إذ تخضع الهيستونات لتعديلات كيميائية تُفعّل أو تُعطّل المرونة الخلوية، ما يسمح للخلايا باستعادة خصائصها الجذعية.

وأوضح برومبو: “خلايا الأمعاء يجب أن تحافظ على هويتها لتؤدي وظيفتها بكفاءة. وإذا فقدت هذا التمايز بشكل غير مناسب، فإنها تفقد وظيفتها، وهو ما يمثل سمة رئيسية للخلايا السرطانية”.

تطبيقات علاجية واعدة

ويُخطط الباحثون في الخطوة المقبلة إلى استكشاف وسائل للتحكم بهذه العملية — سواء بتفعيلها أو تعطيلها — وفقًا للحاجة الطبية، وذلك لمعالجة سرطان القولون والمستقيم والأمراض الالتهابية المعوية التي قد تفضي إلى السرطان، مثل التهاب القولون المزمن.

يقول ديمبسي: “نعتقد أن هذه الآلية ترتبط بقدرة الخلية على التمايز. ولكن عند إيقاف هذه العملية، تعود الخلية إلى حالتها الجذعية المتجددة، وهي حالة ضرورية في سياق الشفاء، لكنها أيضًا موجودة في بعض سرطانات القولون”.

كما أشار إلى أن هذه المرونة قد تفسّر مقاومة بعض أنواع السرطان للعلاج الكيميائي أو الإشعاعي، قائلاً: “عندما تعود الخلايا إلى حالتها الجذعية، تصبح أكثر مقاومة للعلاج، وهو ما يُعقّد الاستجابة العلاجية”.

واختتم ديمبسي بالإشارة إلى أهمية الاكتشاف في سياق تقليل الأضرار الجانبية للعلاج، مضيفًا: “إذا تمكنّا من التحكم في هذه الحالة الجذعية، فقد ننجح في حماية الأنسجة السليمة، خاصة في أمعاء المرضى الذين لا يعانون من السرطان لكنهم يخضعون للعلاج الكيميائي أو الإشعاعي. إذ إن عدم دقة الجرعة قد يؤدي إلى تدمير بطانة الأمعاء بالكامل”.

زر الذهاب إلى الأعلى