استثمارات أجنبية بقيمة 14 مليار دولار في سوريا.. بين آمال إعادة الإعمار وتحديات الواقع

كشفت مذكرات التفاهم الاستثمارية التي وُقّعت مؤخراً في سوريا مع مجموعة من الشركات الأوروبية والخليجية عن 12 مشروعاً استثمارياً تصل قيمتها إلى 14 مليار دولار، توزعت على قطاعات النقل
وجرت مراسم التوقيع في السادس من أغسطس/آب الجاري بقصر الشعب في دمشق، بحضور الرئيس السوري أحمد الشرع، ورئيس هيئة الاستثمار السورية طلال الهلالي، إضافة إلى المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس براك، في خطوة عُدّت مؤشراً واضحاً على وجود رغبة دولية، ولا سيما أميركية، للمشاركة المباشرة في إعادة بناء سوريا، خاصة بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق.
الحضور الواسع لمستثمرين من السعودية وقطر والإمارات وإيطاليا، إلى جانب شركات فرنسية تعمل بالفعل في إعادة تأهيل مرفأي اللاذقية وطرطوس، منح هذه المشاريع بعداً دولياً يتجاوز الطابع المحلي، ويعزز صورة سوريا كوجهة استثمارية منفتحة على شركاء أجانب. ويأتي ذلك في ظل تقديرات اقتصادية تشير إلى أن كلفة إعادة الإعمار قد تصل إلى 400 مليار دولار، وهو مبلغ يفوق إمكانات الحكومة السورية الذاتية، ما يجعل جذب الاستثمارات الأجنبية أمراً لا غنى عنه.
ويؤكد خبراء الاقتصاد أن لهذه الاستثمارات أبعاداً سياسية واقتصادية متشابكة؛ فهي من جهة تعكس إدراكاً دولياً للدور الجيوسياسي الذي تمثله سوريا في محيطها العربي والدولي، ومن جهة أخرى تمثل رسالة انفتاح من دمشق تجاه المجتمع الدولي، بما يضمن عودتها التدريجية إلى الساحة الاقتصادية العالمية.
ومن أبرز المشاريع التي لفتت الانتباه، اتفاقية تطوير مترو دمشق واتفاقية توسيع مطار دمشق الدولي بالتعاون مع اتحاد شركات UCC Holding القطرية بقيمة 4 مليارات دولار، في خطوة تهدف إلى تحويل المطار إلى بوابة إقليمية بمعايير عالمية، بما يخلق بيئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية والمحلية.
لكن، وعلى الرغم من الزخم الإعلامي المحيط بهذه المشاريع، يبقى الشارع السوري أكثر اهتماماً بالبعد الخدمي المباشر، خصوصاً في مجالات الإسكان والطاقة، إذ يرى كثيرون أن إعادة الإعمار لا تكتمل إلا بتهيئة الظروف لعودة اللاجئين وتحسين الخدمات الأساسية. وتشير تقارير البنك الدولي وبرامج الأمم المتحدة إلى أن ما بين 27 و33% من الوحدات السكنية في سوريا تعرضت للدمار، بينما تخطت نسبة الفقر 90%، ويعاني ربع السكان من البطالة.
ويحذر خبراء من أن تبقى هذه الاتفاقيات حبراً على ورق إذا لم تتحول إلى مشاريع ملموسة على الأرض. فنجاح هذه المبادرات يتطلب معالجة تحديات بنيوية مثل ضعف البيئة القانونية، وغياب الشفافية، وخطر الفساد، إضافة إلى الهشاشة السياسية والأمنية.
في المحصلة، تمثل هذه الاستثمارات فرصة ثمينة لإعادة إعمار سوريا، غير أن نجاحها مرهون بقدرة الدولة على تهيئة بيئة أعمال مستقرة وآمنة، وضمان تنفيذ المشاريع بما يحقق أثراً مباشراً في تحسين مستوى معيشة المواطنين، قبل أن تكون مجرد ورقة تفاهم تحمل أبعاداً سياسية.