“تجويع مغلف بالسكر”.. الاحتلال يحاصر غزة بسياسة غذائية خادعة

في مشهد يجسد تحولًا خطيرًا في أدوات الحصار، تشهد أسواق قطاع غزة منذ أشهر تدفقًا غير مسبوق لأنواع من السلع الغنية بالسكريات والدهون والكربوهيدرات، في مقابل غياب شبه تام للمواد الغذائية الأساسية مثل اللحوم والبقوليات والخضروات.
ورغم أن المشهد قد يوحي بوفرة في الأسواق وتحسنٍ نسبي في الوضع المعيشي، فإن الواقع أكثر قتامة، إذ تكشف هذه الإمدادات عن سياسة ممنهجة تهدف إلى إخفاء ملامح المجاعة التي عاشها سكان القطاع لأكثر من 700 يوم تحت نيران الحرب والحصار والإبادة.
على منصات التواصل الاجتماعي، عبر فلسطينيون عن غضبهم من هذا الواقع الذي وصفوه بأنه “تجويع مغلف بالسكر”، مؤكدين أن الاحتلال يسمح بدخول أصناف محددة من الأغذية تعطي انطباعًا مضللًا بانتهاء الأزمة الغذائية، بينما تستمر معدلات سوء التغذية ونقص العناصر الحيوية في الارتفاع بشكل خطير.
ويرى مغردون أن هذا السلوك يمثل شكلًا من أشكال “العنف البنيوي”، إذ يُستخدم الغذاء كأداة للتحكم في صورة الواقع وإدارة الانطباعات أمام المجتمع الدولي، بينما وصف آخرون هذا النهج بأنه أسلوب من أساليب العقاب الجماعي والتوحش المنظم، داعين إلى توثيقه ودراسته ضمن أدبيات الإبادة الجماعية الحديثة.
وأشار ناشطون إلى أن الاحتلال يغرق الأسواق بمنتجات كمالية لا تسهم في تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان، مثل الشوكولاتة الفاخرة والقهوة المستوردة ومكونات الحلويات، في حين يمنع دخول الدواء والغذاء الضروريين للبقاء على قيد الحياة.
وكتب أحدهم بمرارة: “في غزة التي تصارع الموت، تجد النسكافيه ولا تجد المضاد الحيوي، تجد الشوكولاتة ولا تجد أساسيات الغذاء.”
يتزامن ذلك مع انهيار شبه كامل للقطاع الصحي، حيث تفتقر المستشفيات إلى الأدوية والمستهلكات الطبية، فيما تبقى رفوف الصيدليات فارغة. وبهذا، يبدو المشهد كما وصفه بعض المدونين: “حصار وتجويع متنكر في هيئة تجارة”، إذ يروج الاحتلال لصورة زائفة عن عودة الحياة الطبيعية، بينما تُدار المجاعة بأدوات أكثر هدوءًا وخفاء.
وأكد مراقبون أن الإبادة في غزة لم تتوقف، بل تغيرت أدواتها لتأخذ شكلاً غذائيًا واقتصاديًا. فاليوم، يُسمح بدخول سلع تعتمد على الكربوهيدرات والدهون والنشويات، مثل القهوة والبوظة والشوكولاتة والجبن الفاخر، لإجبار الناس على تناول أطعمة مرتفعة السعرات ترفع الوزن مؤقتًا، لكنها تفتقر لأي قيمة غذائية حقيقية.
وتتداول المنصات شهادات مؤثرة من داخل القطاع، إذ يقول أحد السكان: “فقدت 20 كيلوغرامًا من وزني خلال شهور الحرب، لكنني اليوم أستعيد الوزن مجبرًا لأن الأطعمة المتاحة مليئة بالدهون والسكريات. هذه ليست تغذية، إنها سياسة. إسرائيل تسمح بدخول ما يخفي الجوع، لا ما ينهيه.”
ويروي آخرون أن الاحتلال يتعمد السماح بدخول مواد غذائية تزيد الوزن لإقناع المنظمات الدولية بأن المجاعة انتهت، في حين يواصل تقييد دخول اللحوم والبقوليات والخضروات بكميات محدودة جدًا، ويغرق الأسواق بمنتجات مثل جبنة الموزاريلا والكعك والمعجنات.
ويؤكد مدونون أن ما يجري يمثل وجها جديدًا من وجوه الإبادة البطيئة، وأن مسؤولية فضحه وتوثيقه تقع على عاتق الفلسطينيين والمؤسسات الحقوقية، حتى لا تمر هذه الجريمة تحت غطاء “وفرة السلع” التي تخفي الجوع ولا تعالجه.
وبحسب تقارير منظمات أممية، يعاني معظم سكان القطاع من نقص حاد في البروتينات والفيتامينات والمعادن الأساسية، فيما ترتفع معدلات فقر الدم وسوء التغذية بين الأطفال والنساء الحوامل، في مؤشر خطير على أن سياسة الاحتلال الجديدة لا تقتل بالجوع فقط، بل تقتل تحت قناع الوفرة.







