رغم خسائرها.. “غوغل” تواصل الهيمنة بفضل استثمارات “ألفابيت” المتنوعة

في أبريل/نيسان من العام الماضي، انضمت شركة “غوغل” رسميًا إلى نادي الشركات التي تتجاوز قيمتها السوقية تريليوني دولار، محققة إنجازًا غير مسبوق في عالم التكنولوجيا. ورغم تراجع قيمتها بأكثر من 300 مليار دولار منذ ذلك الحين، لا تزال تحتفظ بموقعها المتقدم ضمن أكبر خمس شركات تقنية على مستوى العالم.
ويُعزى هذا الثبات في المكانة بشكل كبير إلى الاستراتيجية الاستثمارية الواسعة التي تنتهجها الشركة الأم “ألفابيت” (Alphabet)، والتي وسعت نشاطها إلى معظم المجالات التقنية، من الأمن السيبراني إلى الذكاء الاصطناعي، ومنصات التواصل الاجتماعي، مرورًا بالخرائط ومراكز البيانات.
لكن طموح “ألفابيت” لا يتوقف عند حدود التقنية، إذ تسعى لتوسيع آفاقها نحو قطاعات أخرى بعيدة عن مجالها التقليدي، مثل الصحة، والفضاء، والتصنيع الدوائي، في محاولة لخلق مصادر دخل مستقبلية أكثر تنوعًا واستدامة.
ألفابيت.. من محرك بحث إلى عملاق استثماري
رغم أن “ألفابيت” تُعد الشركة الأم المالكة لـ”غوغل”، فإنها تأسست بعد النجاح الكبير الذي حققته الأخيرة، وذلك عام 2015 على يد المؤسسين لاري بيج وسيرجي برين، ويقودها حاليًا سوندار بيتشاي، الرئيس التنفيذي لـ”غوغل” أيضًا.
منذ إنشائها، تطورت “ألفابيت” إلى كيان ضخم يحتضن تحت مظلته عددًا من الشركات المتنوعة، سواء تلك التي تحمل اسم “غوغل” كـ”يوتيوب”، و”خرائط غوغل”، ومتصفح “كروم”، أو شركات مستقلة مثل “وايز” (Waze).
ومع مرور الوقت، وسّعت “ألفابيت” محفظتها الاستثمارية لتشمل مجالات غير تقنية، أبرزها القطاع الصحي وعلوم الفضاء، وهو ما دفع مجلة “فوربس” إلى وصف “غوغل” بأنها باتت تمثل قوة مؤثرة صاعدة في قطاع الرعاية الصحية العالمي.
انخراط متنامٍ في قطاع الصحة
لم تكتف “ألفابيت” بالاستثمار في الشركات الصحية من خلال ذراعها الاستثمارية “GV Investment”، بل أطلقت أيضًا شركات تابعة لها بشكل مباشر في هذا المجال. ومن بين أبرز هذه الشركات:
- Verily Life Sciences: متخصصة في تطوير تقنيات الصحة وتحليل البيانات الطبية.
- Isomorphic: مختبر أبحاث دوائية يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتسريع تطوير الأدوية.
من خلال هذه الاستثمارات، تسعى “غوغل” إلى دمج التكنولوجيا الحديثة في القطاع الصحي عبر منصات وأدوات ذكية، منها منصة Google Care Studio، التي تتيح للأطباء مشاركة البيانات الطبية للمرضى بشكل آمن وشامل، حتى عبر منشآت ودول مختلفة. كما طورت محركًا متقدمًا لتحليل وربط البيانات الطبية، بما يسهّل الوصول إلى التشخيصات الدقيقة والمعلومات البحثية في وقت قياسي.
ومن أبرز إنجازاتها في هذا القطاع، استخدام الذكاء الاصطناعي لمحاكاة العمليات الكيميائية الحيوية، وهو ما أسهم في تقليص زمن تطوير الأدوية، وقد أدى هذا الإنجاز إلى حصول الباحث ديميس هاسابيس على جائزة نوبل في الكيمياء عام 2023 لمساهمته في “آيزومورفيك”. وقد جذبت هذه الجهود استثمارات وصلت إلى 600 مليون دولار في مارس/آذار 2024.
استثمارات واعدة في الفضاء
بدأت “غوغل” منذ سنوات في توجيه أنظارها نحو الفضاء، عبر مجموعة من الاستثمارات الإستراتيجية، كان أبرزها:
- استثمار قرابة مليار دولار في عام 2015 للحصول على حصة في شركة سبيس إكس (SpaceX) التابعة لإيلون ماسك.
- ضخ 36 مليون دولار في شركة Pixxel الهندية، المتخصصة في تقنيات التصوير الطيفي للأرض.
- استثمار مليار دولار في ديسمبر/كانون الأول 2024 في شركة ناشئة تُدعى CME تعمل على تطوير مركبات فضائية باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد للمعادن.
ورغم أن “غوغل” لم تفصح رسميًا عن الدوافع وراء هذه الاستثمارات، فإنها تبدو مرتبطة بخطط بعيدة المدى، من أبرزها تطوير شبكة إنترنت فضائي عبر التعاون أو التنافس مع “سبيس إكس”، وتوفير البنية التحتية اللازمة لتصنيع أقمار صناعية مستقبلية باستخدام تقنيات حديثة مثل الطباعة المعدنية ثلاثية الأبعاد.
نظرة مستقبلية: ما الذي تسعى إليه غوغل؟
من خلال هذه التوسعات، يبدو أن “ألفابيت” تسعى إلى ما هو أبعد من كونها شركة تكنولوجيا معلومات، بل تهدف إلى أن تكون قوة اقتصادية عالمية مؤثرة في الصحة، والفضاء، والتنقل الذكي، والتصنيع، وغيرها من القطاعات.
ورغم التحديات التي تواجهها، فإن الرؤية الاستثمارية الجريئة التي تتبناها تجعلها قادرة على مواصلة التوسع والنمو، بعيدًا عن الاعتماد الحصري على الإعلانات أو محرك البحث، مما يرسخ مكانتها كواحدة من أكثر الشركات تنوعًا وتأثيرًا في العالم.