اقتصاد

تركيا تطلق “مشروع القرن للإسكان”: 500 ألف وحدة سكنية جديدة وتقديم خيار الإيجار الاجتماعي

أطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأسبوع الماضي مشروع إسكان اجتماعي جديد لبناء 500 ألف وحدة سكنية في جميع الولايات التركية البالغ عددها 81، في خطوة وصفت بأنها الأكبر في تاريخ البلاد على صعيد برامج الإسكان.

وأعلن المشروع، الذي حمل اسم “مشروع القرن للإسكان” خلال اجتماع مجلس الوزراء، بهدف توفير مساكن آمنة وميسورة التكلفة للمواطنين، مع تقديم خيار الإيجار الاجتماعي لأول مرة إلى جانب التملك التقليدي. ومن المقرر البدء بتنفيذ الخطة مع نهاية العام الجاري بعد استكمال التحضيرات بالتعاون مع إدارة الإسكان التركية “توكي”، على أن يكشف الرئيس لاحقًا عن تفاصيل المشروع التنفيذي بالكامل.

أكبر حملة إسكان اجتماعي في تاريخ تركيا

تعد المبادرة الجديدة الأكبر على الإطلاق، متجاوزة جميع المشاريع السابقة من حيث الحجم والطموح. فقد سبق للحكومة التركية إطلاق مشاريع لبناء 50 ألف ثم 100 ألف وحدة، تلتها مبادرة “منزلي الأول” عام 2022 لبناء 250 ألف وحدة، والتي كانت تعتبر الأكبر آنذاك. أما المشروع الحالي، فيضاعف هذه الأرقام ويضع تركيا أمام تجربة غير مسبوقة في مجال الإسكان الاجتماعي.

وتغطي الحملة جميع الولايات التركية لضمان توزيع جغرافي متوازن، مع التركيز على بناء مساكن مقاومة للكوارث الطبيعية، خصوصًا في ظل المخاطر الزلزالية التي تواجه البلاد. واستندت الحكومة في وضع خططها إلى خبرة إعادة إعمار المناطق المنكوبة بزلزال فبراير 2023، حيث تم حتى الآن تسليم أكثر من 304 آلاف وحدة سكنية للمتضررين ضمن برنامج إعادة الإعمار.

ووفق بيانات رسمية، أنجزت إدارة الإسكان التركية منذ تأسيسها نحو 1.74 مليون وحدة سكنية اجتماعية في مختلف أنحاء البلاد، في حين يجري العمل على 280 ألف وحدة إضافية قيد التنفيذ حاليًا.

الإيجار الاجتماعي لأول مرة

للمرة الأولى في تاريخ سياسات الإسكان التركية، يقدم المشروع خيار الإيجار الاجتماعي طويل الأمد بأسعار مدعومة، ليصبح مكملاً لآلية التملك المعتادة. تبدأ التجربة من مدينة إسطنبول التي تشهد أزمة خانقة في سوق الإيجارات بسبب ارتفاع الأسعار غير المسبوق، بهدف تخفيف العبء على الأسر محدودة الدخل.

ستتولى إدارة “توكي” دور المؤجر المباشر، مع تحديد معايير دقيقة لتحديد الفئات المؤهلة، وتطبيق قرعة علنية لضمان الشفافية وتكافؤ الفرص. بعد انتهاء مدة الإيجار، ستُطرح الوحدة مرة أخرى للإيجار لصالح أسر جديدة، ما يضمن استفادة أكبر عدد ممكن من المواطنين على المدى الطويل.

أزمة السكن وحلول الحكومة

تعتبر أزمة الإيجارات من أبرز التحديات الاقتصادية والاجتماعية في تركيا، إذ ارتفعت الأسعار بمعدلات تتجاوز كثيرًا البيانات الرسمية، وانخفضت نسبة تملك المنازل إلى 55.8% عام 2024، وهو أدنى مستوى منذ 18 عامًا. ويعيش نحو نصف الأسر التركية في مساكن مؤجرة، مع تزايد الاعتماد على الإيجار بين الفئات محدودة الدخل ومن الطبقة المتوسطة.

ويؤكد المحلل الاقتصادي محمد غولماز أن أزمة الإسكان مرتبطة أساسًا بضعف العرض مقابل الطلب، مشيرًا إلى أن مشروع بناء 500 ألف وحدة سكنية يمكن أن يخفف الضغط عن سوق الإيجارات، خصوصًا مع تخصيص وحدات لفئات محددة مثل أسر الشهداء، ذوي الاحتياجات الخاصة، المتقاعدين والشباب. وأضاف أن إدراج خيار الإيجار الاجتماعي في إسطنبول خطوة إستراتيجية لاستقرار الأسعار ووضع سقف واضح للسوق.

آثار المشروع على الاقتصاد

من المتوقع أن يسهم المشروع في تحفيز الاقتصاد عبر توفير آلاف فرص العمل في قطاع البناء والصناعات المرتبطة به، ما يعزز الدخل الفردي ويخفف من تأثيرات التضخم على القدرة الشرائية للسكان. مع ذلك، يشير المحلل إلى أن نجاح المشروع في كبح ارتفاع أسعار الإيجار لن يكون مضمونًا ما لم تُعالج عوامل أخرى مثل احتفاظ بعض المستثمرين بالملايين من الوحدات لأغراض المضاربة.

يعد “مشروع القرن للإسكان” خطوة نوعية في مواجهة أزمة السكن في تركيا، مع طرح نموذج الإيجار الاجتماعي الذي يمكن تعميمه لاحقًا على جميع الولايات لتحقيق التوازن بين العرض والطلب في السوق.

زر الذهاب إلى الأعلى