تفاهمات مالية واسعة بين سوريا والمؤسسات الدولية… فرص إصلاح ومخاوف من الاعتمادية

أكد وزير المالية السوري محمد يسر برنية، في تصريحات أدلى بها خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن مشاركة سوريا في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي أفضت إلى تفاهمات إستراتيجية تمهد لإطلاق مسارات جديدة من التعاون الفني والمالي. وتشمل هذه التفاهمات برامج دعم للإصلاح المالي والمصرفي، وتحديث الإحصاءات، وإدارة الدين العام، إلى جانب بدء وصول بعثات فنية إلى دمشق خلال الأيام الجارية.
وأوضح الوزير أن النقاشات أسفرت عن الاتفاق على عقد مشاورات المادة الرابعة خلال ستة أشهر، بما قد يقود إلى برنامج إصلاحي غير مشروط بالقروض، فضلاً عن تعيين ممثل مقيم لصندوق النقد في دمشق ورفع القيود الأمنية التي كانت تعيق عمله سابقاً.
أما على مستوى البنك الدولي، فستستقبل سوريا ست بعثات فنية متخصصة في قطاعات الطاقة والمياه والنقل والتعليم والصحة، إضافة إلى منح تمويلية بقيمة مليار دولار ستُوزع على مشاريع تنموية خلال ثلاث سنوات، مع إعادة تفعيل التعاون مع مؤسسة التمويل الدولية (IFC) ووكالة ضمان الاستثمار (MIGA)، وفتح مكتب دائم للبنك في العاصمة السورية.
وأكد برنية وجود تقدم أيضاً في الحوار مع وزارة الخزانة الأميركية، إلى جانب لقاءات مع صناديق عربية، مشدداً على ضرورة استثمار الزخم الدولي لخدمة أجندة التنمية الوطنية.
كوادر فنية لتعزيز الثقة
يرى الدكتور أسامة قاضي، المستشار الأول في وزارة الاقتصاد السورية، أن تعيين ممثل لصندوق النقد الدولي في دمشق لا يمثل تحولاً مالياً جذرياً بحد ذاته، لكنه خطوة لرفد المؤسسات الحكومية – وخاصة المالية والمصرفية – بكوادر فنية قادرة على رفع مستوى الأداء وتعزيز الرقمنة.
ويشير قاضي إلى أن القيمة الأساسية لهذه الخطوة تكمن في تحسين ثقة المستثمرين عبر رفع المعايير الفنية، وتطوير الأتمتة في مؤسسات الدولة، إضافة إلى دور مؤسسة التمويل الدولية في تقديم الدعم للصناعيين الذين يحتاجون إلى خطوط ائتمان لتحديث الإنتاج واستخدام تقنيات حديثة.
ويؤكد أن دعم الصناعة الوطنية عبر توفير التمويل الملائم سيُسهم في زيادة الإنتاج وخفض تكاليف السلع المحلية، مشدداً على ضرورة حوكمة المؤسسات وتطبيق المعايير الدولية في الإدارة المالية.
البنية التحتية ومنح البنك الدولي
من جانبه، يرى الباحث الاقتصادي عبد العظيم المغربل أن منحة البنك الدولي البالغة مليار دولار يمكن أن تُحدث أثراً ملموساً إذا جرى تخصيصها لحزم عاجلة تتعلق بإعادة تأهيل شبكات المياه والطرقات الحيوية، على أن تُنفذ المشاريع عبر مقاولين محليين وبرامج نقد مقابل العمل، بما يدعم سوق العمل ويعيد الحيوية للمجتمعات المتضررة.
ويؤكد المغربل أن هذه المقاربة ستسهم في تحسن نسبي للبنية التحتية، وتوفير فرص عمل فورية، وتمهيد الطريق لعودة النشاط الاقتصادي بشكل تدريجي.
تحذيرات من الاعتماد على المنح الدولية
في المقابل، يحذر الخبير الاقتصادي السوري أسامة العبد الله من الاعتماد على المنح الدولية، معتبراً أنها قد تُرسّخ نمط الاعتمادية وتقدم حلولاً مؤقتة لا تعالج جوهر الأزمة.
ويرى العبد الله أن تمويلات البنك الدولي – مهما كانت قيمتها – تبقى حلولاً قصيرة الأجل لاقتصاد يواجه انهياراً عميقاً، داعياً إلى توجيه الجزء الأكبر من المنح لبناء قدرات بشرية محلية، عبر تدريب المهندسين وإنشاء تعاونيات مياه مجتمعية، بدلاً من الاعتماد على مقاولين دوليين يحوّلون الأرباح إلى الخارج.
ويشير إلى أن الدمار الذي خلفته الحرب لا يقتصر على البنى التحتية، بل يشمل الإنسان والأراضي الزراعية التي تحتاج إلى تأهيل لإعادة بناء منظومة الأمن الغذائي.
تحديات الإصلاح المصرفي ومصادر التمويل
وفق المغربل، تواجه سوريا تحديات كبيرة في الإصلاح المصرفي، أبرزها ضعف الحوكمة، وتراجع الشفافية، وصعوبة الامتثال لمعايير البنوك العالمية، إضافة إلى الحاجة العاجلة لرقمنة القطاع المصرفي بالكامل.
ويقترح المغربل تعزيز الثقة من خلال شراكات عربية، تشمل خطوط تمويل من بنوك خليجية، وتسهيلات مقايضة، وتفعيل قنوات مراسلة للتجارة، وإنشاء صناديق ضمان للمشاريع الصغيرة، فضلاً عن برامج تدريب رقابي مشتركة.
أما العبد الله فيربط التحديات بالفساد السياسي السابق، داعياً إلى إصلاح جذري يقوم على تأسيس بنك مركزي مستقل، وتطبيق قوانين صارمة لمكافحة غسل الأموال والثراء غير المشروع، إضافة إلى بناء شراكات عربية تستهدف مكافحة التهريب وتأهيل البنوك الصغيرة.
الاستثمارات الأجنبية بين الفرص والمخاطر
يرى المغربل أن مؤسسات مثل IFC وMIGA قادرة على لعب دور محوري في جذب رأس المال الأجنبي، خاصة لقطاعات المياه والطاقة واللوجستيات والزراعة، عبر تمويل طويل الأجل وتأمين المخاطر السياسية.
في المقابل، يشدد العبد الله على ضرورة وضع ضوابط صارمة للاستثمارات الأجنبية لضمان عدم فقدان السيطرة على الموارد الوطنية، مقترحاً أن تبقى ملكية المشاريع بنسبة 51% للسوريين، تفادياً لتكرار تجارب سلبية شهدتها دول أخرى.







