أفغانستان تخطو بثبات نحو التحول إلى مركز تجاري إقليمي عبر مشروع سكك حديد دولي

بعد سنوات من العزلة الاقتصادية والتحديات اللوجستية التي أعاقت حركة التجارة والتنمية، بدأت أفغانستان تنفيذ خطوات إستراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل دورها الاقتصادي كحلقة وصل بين آسيا الوسطى وأوروبا. فموقعها الجغرافي المحوري، المحاط بإيران وتركمانستان وأوزبكستان، يمنحها إمكانات كبيرة لتصبح بوابة رئيسية للممرات التجارية الإقليمية والدولية
وفي هذا السياق، شرعت كابل في تطوير مشروع ضخم للسكك الحديدية بالشراكة مع تركيا وإيران وتركمانستان، بهدف إنشاء شبكة نقل عابرة للحدود تربط المدن الأفغانية بالموانئ الإقليمية، وتفتح مسارات جديدة للتجارة الدولية، وتُعزّز تدفق الاستثمارات الأجنبية وتطوير البنية الاقتصادية المحلية.
المشروع لم يعد مجرد رؤية مستقبلية، إذ تم توقيع مذكرة تفاهم رسمية في إسطنبول، تلتها اجتماعات ثلاثية لتحديد مسارات الخطوط والمحطات وآليات التنفيذ. كما شاركت أفغانستان في اجتماعات الهيئة الدولية للسكك الحديدية بتركيا لتعزيز التعاون الفني وتنسيق الخطط، بما في ذلك خطوط هرات/مزار الشريف وخط خواف/هرات.
أهمية المشروع ودلالاته
المتحدث باسم وزارة الأشغال العامة الأفغانية محمد أشرف حقشناس أكد في حديثه للجزيرة نت أن المشروع يمثل خطوة إستراتيجية لتعزيز الاندماج الاقتصادي الإقليمي وتحسين البنية التحتية للنقل، مشيرًا إلى دوره في تسهيل وصول الصادرات الأفغانية إلى الأسواق العالمية عبر الموانئ التركية، وتحويل البلاد إلى مركز لوجستي محوري.
محاور الربط السككي
المشروع يقوم على ثلاثة مسارات رئيسية:
- خط خواف – هرات (إيران/أفغانستان): يربط هرات بالشبكة الإيرانية وصولًا إلى تركيا وأوروبا.
- خطوط أفغانستان/تركمانستان: عبر معبري تورغوندي وأقينه لدعم حركة البضائع.
- خطوط أفغانستان/أوزبكستان: عبر ميناء حيرتان لتعزيز التبادل التجاري الإقليمي.
هذه الشبكة ستجعل أفغانستان نقطة عبور حيوية بين آسيا الوسطى والشرق الأوسط وأوروبا، مع تحسين سرعة وكفاءة نقل البضائع.
فوائد اقتصادية واسعة
من المتوقع أن يسهم المشروع في:
- تنشيط التجارة الإقليمية وزيادة الصادرات والواردات.
- جذب الاستثمارات في البنى التحتية والخدمات اللوجستية.
- خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة في قطاعات النقل والبناء والأسواق المرتبطة.
- تعزيز قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على دخول أسواق أوسع.
بحسب الخبير الاقتصادي مير شكيب مير، فإن المشروع يمثل فرصة كبرى لربط أفغانستان بالأسواق العالمية، وتخفيف الاعتماد على الطرق البرية التقليدية التي كثيرًا ما تواجه تحديات أمنية ولوجستية.
سياق إقليمي ودولي داعم
المشروع يعكس توجهًا إقليميًا لتعزيز التواصل التجاري عبر ممرات آمنة بعيدًا عن المسارات التقليدية عبر باكستان، ويشكل فرصة لإيران وتركيا وتركمانستان لتوسيع نفوذها الاقتصادي في المنطقة. كما يحظى بدعم الاتحاد الدولي للسكك الحديدية، ما يمنحه ثقلًا تقنيًا ومؤسسيًا.
تحديات قائمة وفرص واعدة
أبرز التحديات:
- تأمين التمويل الكامل للمشروع.
- بناء البنية التحتية في مناطق وعرة.
- ضمان التنسيق المستدام بين الدول المعنية.
في المقابل، يحمل المشروع فرصًا هائلة، أبرزها:
- تحويل أفغانستان إلى مركز نقل إقليمي.
- تسهيل حركة البضائع بشكل أسرع وأقل تكلفة.
- تنمية الصناعات المرتبطة بالنقل والتخزين والخدمات المالية.
آفاق مستقبلية
من المتوقع أن يسهم المشروع في دمج أفغانستان ضمن الشبكات التجارية العالمية، ويضعها على مسار يتيح لها التحول إلى ممر استراتيجي بين آسيا وأوروبا. ويرى المراقبون أن نجاح هذا المشروع قد يشكل بداية مرحلة جديدة من الازدهار الاقتصادي والاندماج الإقليمي بعد عقود من العزلة.
بهذه الخطوات، تبدو أفغانستان في طريقها لاستعادة موقعها كمحور تجاري تاريخي على طريق الحرير الحديث، واضعة حجر الأساس لنهضة اقتصادية طال انتظارها.







