اقتصاد

المصرف المركزي السوري يفرض إجراءات صارمة لإعادة هيكلة المصارف المتضررة من الانهيار اللبناني

أصدر مصرف سوريا المركزي توجيهات جديدة تُلزم البنوك التجارية بتكوين مخصصات مالية تغطي خسائر انخفاض القيمة المرتبطة بالانهيار المالي في لبنان، مع تقديم خطط إعادة هيكلة واضحة خلال ستة أشهر، في خطوة تُعد مفصلية لإعادة تشكيل القطاع المصرفي المتأزم في البلاد.

وجاء التوجيه الصادر في 22 سبتمبر/أيلول ليُلزم البنوك بالاعتراف الكامل بانكشافها على النظام المالي اللبناني، إذ سبق للمؤسسات المصرفية السورية أن أودعت مبالغ كبيرة لدى مصارف لبنانية خلال سنوات الحرب الأهلية السورية.

ويرى مسؤولون ماليون أن هذه القرارات تأتي ضمن جهود شاملة لإصلاح القطاع المصرفي الذي تعرض لضربة قاسية بفعل الحرب والعقوبات الغربية، إضافة إلى معالجة أزمة سيولة طويلة الأمد أثرت بشكل مباشر على النشاط الاقتصادي.

وقالت ثلاثة مصادر مصرفية سورية لوكالة رويترز إن هذه الخطوة دفعت بعض البنوك إلى البحث عن مستثمرين جدد أو استكشاف فرص استحواذ من جهات أجنبية.

وأكد حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية ضرورة تقديم خطط إعادة هيكلة جدية، قائلاً:
“بدأ العد التنازلي الآن… على البنوك تقديم حلول عملية، سواء عبر التعاون مع مصارف لبنانية أو عبر شراكة مع مؤسسات مالية دولية أخرى.”

انكشاف مالي كبير على المصارف اللبنانية

كشف الحصرية أن حجم انكشاف المصارف السورية على النظام المالي اللبناني يتجاوز 1.6 مليار دولار، وهو ما يمثل نسبة كبيرة مقارنة بإجمالي الودائع في القطاع المصرفي التجاري السوري البالغة 4.9 مليارات دولار وفق بيانات بورصة دمشق لعام 2024.

ومن بين أكثر المصارف تضررًا من الأزمة:

  • بنك الشرق
  • فرنسبنك
  • بنك سوريا والمهجر
  • بنك بيمو السعودي الفرنسي
  • شهبا بنك
  • بنك الائتمان الأهلي

وتنتمي معظم هذه البنوك لمجموعات مصرفية لبنانية توسعت في سوريا خلال العقد الأول من الألفية، قبل أن تتعرض ودائعها للتجميد مع انهيار النظام المصرفي اللبناني عام 2019.

جهود دولية وانفتاح مالي لأول مرة

وفي سياق متصل، أعلن المصرف المركزي السوري مشاركته لأول مرة في مؤتمر Sibos 2025 بمدينة فرانكفورت، بدعوة من منظمة “سويفت” العالمية، في إشارة إلى اتجاه سوريا نحو الانخراط مجددًا في الساحة المالية الدولية وسط مساعٍ إصلاحية واسعة.

وأكد الحصرية أن المشاركة تمثل “فرصة استراتيجية للحوار مع قيادات القطاع المالي العالمي ودعم جهود التعافي والإصلاح في سوريا”.

انتقادات وحدود زمنية ضيقة

في المقابل، عبّر بعض المصرفيين عن تحفظهم على ضيق المدة الممنوحة لتكوين المخصصات، مؤكدين أن القرار مشروع لكن تنفيذه خلال 6 أشهر يشكل ضغطًا كبيرًا على البنوك.

ورد الحصرية قائلاً:
“لا نريد أن يتعرض أي بنك لمشكلات، لكن الإنكار ليس حلاً… ننتقل من مرحلة الإنكار إلى معالجة الواقع والانطلاق نحو إصلاح حقيقي.”

كما كشفت مصادر مصرفية عن محادثات أولية بين بنوك سورية ومؤسسات مالية عربية بشأن استحواذات محتملة.

رؤية مستقبلية للقطاع المصرفي

أشار حاكم المصرف المركزي إلى أن الحكومة تهدف إلى مضاعفة عدد البنوك التجارية العاملة في سوريا بحلول 2030، مع وجود بنوك أجنبية في طور الحصول على تراخيص.

وتعكس هذه الإجراءات توجهًا رسميًا نحو إعادة هيكلة النظام المصرفي، وتحسين الثقة المالية، وفتح المجال أمام رؤوس الأموال جديدة لمرحلة اقتصادية أكثر استقرارًا.

زر الذهاب إلى الأعلى