اقتصاد

تفاؤل الأسواق الأميركية في مواجهة قلق الاقتصاد العالمي.. بلومبيرغ تحذر من “فقاعة الإحساس”

قالت وكالة بلومبيرغ في تقرير اقتصادي مطول إن الأسواق المالية العالمية تعيش حالة من التفاؤل القَلِق، حيث ترتفع مؤشرات الأسهم الأميركية إلى مستويات تاريخية رغم اضطراب الأوضاع السياسية والتجارية عالميًا.

وأوضحت الوكالة أن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ارتفع بنحو 90% خلال ثلاث سنوات، رغم تصاعد الحروب التجارية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب والتوترات التكنولوجية مع الصين، مما يعكس انفصال أداء الأسواق عن واقع الاقتصاد الحقيقي.

وأضاف التقرير أن “الأرقام تصرخ بالتفاؤل، لكن الناس يشعرون بالقلق”، مشيرًا إلى أن العالم لا يعيش فقاعة أسعار فحسب، بل فقاعة مشاعر تعكس شعورًا عامًا بالانتظار على حافة حدث اقتصادي كبير.

تقييمات الأسهم.. تفاؤل يتحدى المنطق المالي

اعتمدت بلومبيرغ في تحليلها على مؤشر مضاعف شيلر للأرباح الذي يقيس مدى غلاء الأسهم مقارنة بأرباحها الفعلية، والذي بلغ حاليًا 40 ضعفًا، وهو مستوى لم يُسجل منذ فقاعة الإنترنت عام 1999.

وبحسب التقرير، فإن هذا يعني أن كل دولار من أرباح الشركات يُباع بـ40 دولارًا من القيمة السوقية، ما يشير إلى أن المستثمرين يدفعون “سعر المستقبل” بدلًا من “قيمة الحاضر”، وهي إشارة كلاسيكية إلى وجود مبالغة في التقييمات.

لكن بلومبيرغ أوضحت أن ارتفاع التقييمات لا يعني بالضرورة انهيارًا وشيكًا، بل يتطلب انضباطًا استثماريًا يركز على الأهداف طويلة المدى بدلًا من المضاربات السريعة.

الذكاء الاصطناعي.. بين الطفرة والمخاطرة

وصفت الوكالة الذكاء الاصطناعي بأنه “المحرّك الجديد” للنمو الاقتصادي الأميركي، لكنه أيضًا الخطر غير المقاس.

ففي حين تمثل الاستثمارات الضخمة في مراكز البيانات والمعالجات المتقدمة قوة دفع رئيسية للأسواق، حذر بن إنكر، رئيس إدارة الأصول في شركة “جي إم أو”، من أن أي توقف في هذا الإنفاق قد يؤدي إلى اهتزاز حاد في السوق نظرًا لاعتمادها الكبير على شركات التكنولوجيا العملاقة.

ودعت بلومبيرغ إلى تنويع المحافظ الاستثمارية بين قطاعات متعددة كالصناعة، والرعاية الصحية، والطاقة المتجددة، والبنوك، معتبرة أن التنويع هو الدرع الواقعي ضد تقلبات السوق المفاجئة.

استقلال البنوك المركزية.. ضمانة الاستقرار

تناول التقرير العلاقة الحساسة بين السياسة والمال، مستشهدًا بمحاولة الرئيس ترامب إقالة عضوة مجلس الاحتياطي الفدرالي ليزا كوك، قبل أن تمنع المحكمة العليا تنفيذ القرار، معتبرًا أن مثل هذه الصدامات تضع مصداقية الاحتياطي الفدرالي على المحك.

ونقل عن بن إنكر قوله إن ثقة الأسواق بالدولار تعتمد على استقلالية البنك المركزي، محذرًا من أن أي مساس بها سيقوض استقرار السوق ككل.

كما وجه التقرير نصيحة للمستثمرين العرب بضرورة مراقبة استقلال السياسة النقدية في أي دولة يستثمرون بها، لأنها المؤشر الأصدق على استقرار الأسعار والعوائد الحقيقية

تراجع الاستثنائية الأميركية

وأشارت ليزا شالت، كبيرة مستشاري الاستثمار في مورغان ستانلي، إلى أن السوق الأميركية لم تعد وحدها مركز الجذب المالي العالمي، متوقعة أن تنخفض العوائد المستقبلية للأسهم الأميركية إلى 5-6% سنويًا، بعد أن كانت تتجاوز 15%.

وهم النمو والثراء النفسي

وحذّرت بلومبيرغ من أن صعود الأسهم خلق ثروة نفسية أكثر منها مالية، إذ بات أعلى 10% من الأسر الأميركية مسؤولين عن نصف الإنفاق الاستهلاكي في البلاد، ما يجعل الاقتصاد هشًا أمام أي هبوط في الأسعار.

وقال دوغ رامزي من شركة “لوثولد غروب”:

“حين يعتمد الاقتصاد على إنفاق الأغنياء، يصبح هشًّا للغاية، لأن استهلاكهم يتراجع فورًا عند أي انخفاض في القيمة السوقية.”

وأضافت الوكالة أن الربح الورقي لا يمثل ثروة حقيقية ما لم يكن مدعومًا بتدفق نقدي مستمر من الدخل أو الأصول ذات العائد الثابت.

تنويع ذكي وتحوط نقدي

نقلت بلومبيرغ عن شركة فانغارد توقعها بأن تتراوح عوائد الأسهم الأميركية بين 3.3% و5.3% سنويًا خلال العقد المقبل، مما يجعل التحوّط ضرورة استثمارية.

وقدمت نصائح عملية للمستثمرين:

  • لمن تجاوزوا الخمسين عامًا: تخصيص 30% إلى 40% من المحافظ لأدوات الدخل الثابت.
  • لمن هم دون الأربعين: التركيز على الأسواق الدولية الناشئة ذات التقييمات الجذابة.
  • للجميع: الاحتفاظ باحتياطي نقدي للطوارئ يغطي من 6 إلى 12 شهرًا من النفقات.

كما أشارت إلى أن الصناديق الأوروبية، مثل صندوق فانغارد للأسهم الأوروبية، أظهرت أداءً مستقرًا بفضل سياسة خفض الفائدة المبكر في الاتحاد الأوروبي.

الذهب والبنية التحتية.. ملاذات واقعية

وأبرز التقرير أن الذهب استعاد مكانته كـ”عملة عالمية بديلة” في أوقات الأزمات، بعد ارتفاعه بأكثر من 60% هذا العام، لكنه حذر من الانجرار وراء الاستثمار العاطفي، مؤكدًا أن الذهب وسيلة تحوط لا أداة ثراء سريع.

كما أوصت بلومبيرغ بالنظر في الاستثمار بالبنية التحتية العالمية، بما في ذلك شبكات الطاقة والموانئ والسكك الحديدية، نظرًا لارتباطها بالطلب الفعلي واستفادتها من توسع مشروعات الذكاء الاصطناعي التي تتطلب قدرات نقل وطاقة متزايدة.

ختامًا: المعرفة والانضباط سرّ البقاء

تلخص بلومبيرغ رسالتها بسؤالين جوهريين لكل مستثمر:

هل ادّخرت ما يكفي؟ وهل أنت مرتاح للمخاطر التي تتحملها؟

وتختم بالقول:

“لا أحد يستطيع التنبؤ بالسوق، لكن كل فرد قادر على حماية نفسه من فوضى الاقتصاد الحديث عبر المعرفة والانضباط والواقعية.”

زر الذهاب إلى الأعلى