الصحة

اختبار جيني جديد يمهد لعصر العلاجات الشخصية في مكافحة السمنة

طوّر باحثون في مايو كلينك اختبارًا جينيًا مبتكرًا يمكنه التنبؤ باستجابة الأفراد لأدوية إنقاص الوزن، في خطوة تعدّ واعدة نحو علاجات أكثر دقة وفعالية لملايين الأشخاص الذين يعانون من السمنة حول العالم.

يعتمد الاختبار على تقدير عدد السعرات الحرارية التي يحتاجها الشخص للشعور بالشبع، وهي سمة بيولوجية تختلف من شخص لآخر، ويرتبط هذا المؤشر مباشرة بنجاح العلاج الدوائي في خفض الوزن.

نُشرت نتائج الدراسة في مجلة Cell Metabolism في الخامس من أغسطس الماضي، ونقلها موقع EurekAlert العلمي. وأوضح الدكتور أندريس أكوستا، أخصائي أمراض الجهاز الهضمي والمؤلف المشارك في الدراسة، أن “المرضى يستحقون علاجات تراعي خصائصهم البيولوجية، لا مجرد حجم أجسامهم، وهذا الاختبار يساعدنا في وصف الدواء الأنسب لكل مريض منذ البداية”.

ما وراء حجم الجسم: فهم جديد للسمنة

تُعد السمنة حالة معقدة تنجم عن تفاعل عوامل وراثية وبيئية وسلوكية تختلف بين الأفراد، ما يجعل الاستجابة لمحاولات إنقاص الوزن متباينة بدرجة كبيرة.
وركز فريق مايو كلينك على مفهوم الشبع، أي الإشارة الفسيولوجية التي تنبه الجسم إلى أنه تناول ما يكفي من الطعام. فبينما يتناول بعض المصابين بالسمنة وجبات كبيرة جدًا، يفضّل آخرون تناول وجبات صغيرة لكنهم يأكلون بشكل متكرر على مدار اليوم.

ولفهم هذه الفروق، دعا الباحثون نحو 800 شخص من البالغين المصابين بالسمنة لتناول وجبة مفتوحة تتكوّن من اللازانيا والحلوى والحليب حتى يصلوا إلى مرحلة الشبع.
وأظهرت النتائج تفاوتًا كبيرًا؛ إذ توقف بعض المشاركين بعد تناول 140 سعرة حرارية فقط، في حين استهلك آخرون أكثر من 2000 سعرة حرارية.

رغم دراسة عوامل مثل الوزن والطول والعمر ونسبة الدهون والهرمونات المرتبطة بالشهية مثل الغريلين واللبتين، فإن هذه المتغيرات لم تفسّر بشكل كافٍ الفروق الكبيرة بين الأفراد، مما دفع الفريق إلى البحث في الجينات.

الجينات تقول كلمتها

باستخدام تقنيات التعلّم الآلي، جمع الباحثون متغيرات في 10 جينات معروفة بتأثيرها على الشهية وتناول الطعام، وصمّموا مقياسًا أسموه “درجة المخاطر الجينية للسعرات إلى الشبع” (Calories to Satiation Genetic Risk Score).

يُحسب هذا المقياس من عينة دم أو لعاب، ليقدم تقديرًا شخصيًا لعتبة الشبع المتوقعة لدى الفرد، أي كم يحتاج من السعرات ليشعر بالامتلاء.

تفاعل الجينات مع الأدوية

اختبر الباحثون هذا المقياس الجيني على تجارب سريرية لدواءين معتمدين من إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA)، هما:

  • فينترمين-توبيراميت (phentermine-topiramate) من الجيل الأول لأدوية إنقاص الوزن.
  • ليراغلوتيد (Saxenda) من فئة ناهضات مستقبلات GLP-1 الحديثة.

وأظهرت النتائج أن الأشخاص الذين لديهم عتبة شبع مرتفعة فقدوا وزنًا أكبر باستخدام دواء فينترمين-توبيراميت، لأنه يساعد على التحكم في حجم الحصص وتقليل الإفراط أثناء الوجبات.

أما الذين لديهم عتبة شبع منخفضة فاستجابوا بشكل أفضل لدواء ليراغلوتيد، الذي يقلل الإحساس بالجوع ويخفض تكرار تناول الطعام.

وقال الدكتور أكوستا:

“باستخدام اختبار جيني واحد فقط، يمكننا تحديد الدواء الأكثر فاعلية لكل مريض، وهو ما يعني رعاية أكثر تخصيصًا وأقل كلفة، ونتائج علاجية أفضل”.

نحو طب شخصي في مكافحة السمنة

يشكّل هذا الابتكار الجيني خطوة أساسية في الانتقال من نهج “علاج واحد يناسب الجميع” إلى الطب الدقيق، حيث يمكن تحديد العلاج المثالي بناءً على التركيب الجيني لكل فرد.

ويرى الباحثون أن إدخال هذا النوع من الاختبارات إلى الممارسة السريرية سيحدث تحولًا في طريقة معالجة السمنة، وسيساعد الأطباء على اختيار الدواء المناسب من البداية، مما يقلل الوقت والجهد ويزيد فرص النجاح في فقدان الوزن.

بهذا الإنجاز، يقترب الطب خطوة جديدة نحو عصر العلاجات المخصصة، حيث تصبح الجينات مفتاحًا لفهم استجابة الجسم وتحقيق نتائج صحية مستدامة.

زر الذهاب إلى الأعلى