أطفال غزة بين أنياب الجوع والموت البطيء

يبلغ محيط ذراع الطفل السليم البالغ من العمر عامين نحو 15.2 سم، وهو قياس يعكس وجود طبقات طبيعية من العظام والعضلات والدهون. لكن عندما يقل هذا المحيط عن 11.4 سم لدى طفل لا يتجاوز عمره خمس سنوات، فذلك يُعد مؤشرًا خطيرًا على سوء تغذية حاد يهدد الحياة.
فعندما يبدأ الطفل في الجوع، يبدأ جسمه بحرق مخزون الدهون للحفاظ على وظائفه الحيوية، ثم ينتقل تدريجيًا إلى استهلاك العضلات والعظام كمصدر بديل للطاقة، ما يؤدي إلى ضمور الذراع والنحول الشديد.
في قطاع غزة، الذي تخنقه القيود الإسرائيلية المفروضة على دخول المساعدات منذ بداية الحرب، بلغت معدلات سوء التغذية مستويات غير مسبوقة. فقد أعلنت لجنة من خبراء الأمن الغذائي المدعومين من الأمم المتحدة، أن مدينة غزة كانت رسميًا في حالة مجاعة خلال شهر يوليو/تموز، حيث أظهرت الفحوص أن 16% من الأطفال يعانون من سوء تغذية حاد، بحسب تقرير نشرته الصحفية ستيفاني نولين في نيويورك تايمز.
حتى الأطفال الذين ينجون من الجوع لن ينجوا من آثاره، إذ سيعانون طوال حياتهم من مضاعفات جسدية مثل تقزم النمو، هشاشة العظام، اضطرابات الكبد والكلى، ضعف الإدراك، فضلًا عن زيادة مخاطر الإصابة بالسكتة الدماغية والسكري وأمراض القلب في المستقبل.
ورغم هذه الأرقام الصادمة، يواصل المسؤولون الإسرائيليون إنكار الكارثة، إذ وصف مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إعلان المجاعة الأخير في غزة بأنه “كذبة صريحة”.
تقول الكاتبة نولين: “بوصفي مراسلة تغطي الصحة العالمية، شاهدت أطفالًا يعانون من سوء التغذية في مناطق الحروب والأزمات، لكن المشهد في غزة يفوق الوصف”.
ففي مراكز العلاج، يخيّم صمت ثقيل؛ الأطفال ضعفاء لدرجة لا تسمح لهم بالبكاء، وعيونهم الفارغة تعكس انطفاء الحياة فيهم. كثير منهم لا يتحركون، ولا يقبلون الطعام حتى إن عُرض عليهم، إذ إن تناول الطعام نفسه يستهلك طاقة لم تعد لديهم.
وفي الحالات الحرجة، يبدأ الجسم في تكسير أعضائه الحيوية للبقاء على قيد الحياة، ويتداعى الجهاز المناعي، فتصبح أبسط الالتهابات تهديدًا قاتلًا، وتتحول الجروح الطفيفة إلى بوابات للموت.
علاج هؤلاء الأطفال ليس بالأمر البسيط، فلا تكفي وجبة ساخنة لإنقاذهم، بل يحتاجون إلى أغذية علاجية عالية الطاقة تُقدَّم بكميات مدروسة وتحت إشراف طبي دقيق، حتى يتمكن الجسم المنهك من استيعابها تدريجيًا.
ومع استعداد الجيش الإسرائيلي للتوغل نحو مدينة غزة، تتزايد صعوبة وصول الطواقم الطبية إلى المحتاجين، مما يفاقم الوضع الإنساني بشكل مأساوي.
وفي بيان حديث، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة وفاة طفلين جديدين بسبب المجاعة وسوء التغذية، ليرتفع عدد ضحايا الجوع إلى 422 شهيدًا، بينهم 145 طفلًا.
وأكدت الوزارة أن الكارثة الإنسانية تتسع يومًا بعد يوم نتيجة استمرار الحصار ونقص الغذاء والدواء، مجددة دعوتها للمجتمع الدولي ومنظمات الإغاثة إلى التدخل الفوري والعاجل لإنقاذ ما تبقّى من أطفال غزة الذين يواجهون الموت بصمت.