الأخبار الدولية

دور حاسم لطائرات التزوّد بالوقود جوا خلال حرب الإثني عشر يومًا

ألقت حرب الإثني عشر يومًا بين إيران وإسرائيل الضوء بوضوح على الأهمية الاستراتيجية لطائرات التزوّد بالوقود جوا ودورها الحاسم في تمكين العمليات الجوية الطويلة المدى. فالمسافات الكبيرة بين قواعد الانطلاق الإسرائيلية والمواقع الإيرانية تجعل تنفيذ ضربات جوية فعالة مهمة تقنيًا وتشغيليًا صعبة؛ إذ تحتاج المقاتلات لمدى يمنحها القدرة على الوصول والعودة بأمان، ومع تحميل تسليحي كامل تصبح عملية التزوّد جوا ليست مجرد رفاهية لوجستية بل شرطًا أساسيًا لنجاح المهمة.

على الرغم من قدرة مقاتلات مثل إف-16 وإف-15 على حمل خزانات وقود خارجية تُثبت تحت الجناح وتُطرح بعد النفاد، إلا أن هذه الخزانات تظل حلًا محدود الفاعلية: فهي مكلفة (قد تكلّف الخزان الواحد نحو 100 ألف دولار)، وتقلّل من كفاءة الطائرة إذ يستهلك جزء كبير من الوقود في رفع وزنها ذاته، وتحتل نقاط تعليق يمكن استغلالها للأسلحة. لذلك تظل ناقلات الوقود الجوي الخيار الأكثر فعالية من الناحية التشغيلية لتمديد مدى الطائرات وزيادة حرية اتخاذ القرار لدى قائد الطائرة خلال المهمة.

إسرائيل، التي كانت قد تعاقدت مع بوينغ على أربع طائرات KC-46A كان من المقرر تسليمها في النصف الأول من 2026، أضافت طلبيات لاحقة لتجديد أسطول ناقلاتها القديم. ومع أن هذه الطائرة واجهت مشكلات فنية خلال التشغيل وأدت إلى خسائر مالية لبوينغ بسبب تعديلات طارئة ضمن عقود محددة القيمة، فإن الحاجة التشغيلية دفعت صانعي القرار إلى الإسراع في اقتنائها رغم العيوب، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كان هذا المسار استجابة فورية لحاجات مواجهة محتملة مع إيران أم تخطيطًا استراتيجيًا مبكرًا لبناء قدرات بعيدة المدى.

وليس لإسرائيل وحدها مصلحة في هذا التوجه؛ فقوى إقليمية أخرى تسعى لتعزيز قدراتها على التزوّد بالوقود جوا. تركيا، على سبيل المثال، توازِن بين خيارات مثل KC-707 المعروفة وإيرباص A330 MRTT لتحديث أسطول ناقلاتها. ومع تزايد أهمية المسرح الإقليمي، نما سوق ناقلات الوقود ودلّت مؤشرات عدة على أن الدول المعنية بدأت تعي أن امتلاك هذه القدرات يوسع من خياراتها الإستراتيجية ويمنحها قدرة عمل جوي أبعد وأكثر مرونة.

أهمية التزوّد الجوي ليست مفهوماً جديدًا، بل تشبيهه بمحطات التزوّد في سباقات السيارات يوضح جوهره: الطائرات المقاتلة مصممة لأداءٍ عالٍ وخفة حركة، ما يجعل خزانات الوقود الداخلية محدودة. على عكس سيارة السباق التي يمكنها التوقف، فإن الطائرة لا تملك رفاهية هبوط آمن كلما اقتربت من نفاد الوقود؛ لذلك يصبح التزوّد في الجو حلاً عمليًا يمنح الطائرة مزيدًا من الوقت والمسافة لتنفيذ المهمة أو التعامل مع طارئ تكتيكي دون التضحية بالقدرة القتالية.

من الناحية الفنية يوجد نظامان رئيسيان للتزوّد بالوقود: طريقة “الذراع والخرطوم” (Boom) التي تعتمد على ذراع صلب يُديرها مشغل على متن ناقلة الوقود وتتصل مباشرة بمأخذ في الطائرة المتلقية، وطريقة “المرساة والمجس” (Probe and Drogue) التي تستخدم أنبوبًا مرنًا ينتهي بسلة مخروطية تلتقطها الطائرة عبر مجس خاص. الأولى توفر توصيلًا مركزيًا وتحكمًا آليًا، بينما الثانية أسرع وأكثر مرونة وتستلزم مهارة تحكّم عالية من الطيارين. كلتا الطريقتين تتمتعان بمزايا وقيود ترتبط بنوع الطائرات وتكتيكات القوة الجوية المستخدمة.

العمليات اللوجستية، وفي مقدمتها الإمداد بالوقود، تشكل العمود الفقري لأي حملة عسكرية ناجحة. تاريخيًا حاولت الجيوش تعطيل خطوط إمداد الخصم لضرب قدراته القتالية، والوقود كان دائمًا هدفًا ذا أولوية. ولذلك فإن امتلاك ناقلات وقود جوية يتيح ليس فقط تنفيذ ضربات بعيدة المدى، بل يوفّر أيضًا قدرة على الاستدامة التشغيلية والمرونة التكتيكية في مواجهة ظروف جوية أو نظام دفاعٍ جوي معادٍ أو تغير المفاهيم القتالية المفاجئ.

الهيمنة الأميركية على سوق ناقلات الوقود الجوي واضحة، حيث تسيطر واشنطن على نسبة كبيرة من هذا القطاع بفضل قدراتها العالمية وامتداد مسارح عملياتها. ومع ذلك، حتى الولايات المتحدة ترى حاجة لمزيد من الاستثمار في هذا المجال للحفاظ على قدرتها على نشر القوى، خصوصًا في محاور استراتيجية مثل المحيط الهادئ حيث تتطلب المسافات الشاسعة أساطيل ناقلات أوسع لنشر القاذفات والمقاتلات بفعالية.

في المقابل، تعتمد دول أخرى تقليديًا على أنماط أو طرازات مختلفة؛ فروسيا تستخدم طائرات إليوشين IL-78، بينما تواجه الصين نقصًا نسبياً في ناقلات الوقود رغم تطوّر قدراتها المقاتلة — ربما نتيجة لمسار تكوين قوة جوية مختلف تاريخيًا أو لتركيز استراتيجي داخلي. ومع تزايد الضغوط الجيوسياسية، من المتوقع أن تستثمر قوى صاعدة في هذا المجال لسد الفجوة وتحقيق مزيد من الاستقلالية التشغيلية.

ختامًا، أظهرت حرب الإثني عشر يومًا أن التفوق الجوي لا يقتصر على عدد المقاتلات أو نوعيتها فحسب، بل يشمل المنظومة اللوجستية الكاملة التي تدعمها، وفي مقدمتها طائرات التزوّد بالوقود جوا. لذلك فإن تصاعد الطلب العالمي على هذه الطائرات ليس مبالغة، بل انعكاس لواقع عسكري يتطلب قدرة على العمل لمسافات أبعد وبمرونة تشغيلية أكبر. في عالمٍ تتقاطع فيه الحدود والجغرافيا مع المصالح الإستراتيجية، يصبح امتلاك القدرة على إبقاء الطائرات في الجو لأطول فترة ممكنة عنصرًا محوريًا في صراع القوة والوجود الجوي.

زر الذهاب إلى الأعلى