اقتصاد

الأسواق الإيرانية تهتز بعد تفعيل آلية الزناد وقرار إعادة العقوبات الأممية على طهران

طهران – منذ أن صوّت مجلس الأمن الدولي، يوم الجمعة الماضي، لصالح إعادة فرض العقوبات على إيران بعد تفعيل آلية الزناد من قبل الترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا)، تشهد الأسواق الإيرانية ردود فعل متوترة ومتسارعة، رغم أن القرارات الأممية لم تدخل بعد حيز التنفيذ.

وعلى الرغم من التأكيدات الرسمية والتقارير المحلية التي تقلل من تأثير العقوبات الأممية مقارنة بالعقوبات الأميركية التي ما تزال أكثر شمولًا وصرامة، فإن الأسواق الإيرانية أظهرت تقلبات حادة خلال الأيام الماضية، وصفها مراقبون بأنها “هستيرية” وغير مبررة اقتصاديًا.

تراجع في البورصة وقفزات في العملات والذهب

أظهرت البيانات الرسمية هبوطًا حادًا في بورصة طهران بالتزامن مع تصاعد التوتر السياسي، إذ انخفض المؤشر العام من مليوني و992 نقطة في ختام جلسة الأربعاء الماضي إلى مليوني و544 نقطة بنهاية جلسة الثلاثاء، بعد خسارة أكثر من 88 ألف نقطة خلال ثلاثة أيام تداول فقط.

وفي المقابل، شهدت العملة الإيرانية تراجعًا كبيرًا أمام الدولار الأميركي، الذي ارتفع من 980 ألف ريال يوم الجمعة إلى مليون و600 ألف ريال في السوق غير الرسمية مساء الأحد، قبل أن يتراجع إلى حدود مليون و300 ألف ريال يوم الثلاثاء. كما قفزت أسعار الذهب والسيارات بشكل لافت، إذ بلغ غرام الذهب عيار 18 نحو 93 مليونًا و330 ألف ريال، فيما وصل اليورو إلى مليون و200 ألف ريال وفق بيانات مكاتب الصرافة في ساحة فردوسي وسط طهران.

رد فعل نفسي أكثر منه اقتصادي

تجمع الأوساط الاقتصادية الإيرانية على أن هذا التدهور السريع لا يستند إلى مبررات اقتصادية حقيقية، بل يعكس هلعًا نفسيًا جماعيًا سببه التخوف من تداعيات عودة العقوبات. ومع ذلك، تختلف الآراء حول مدى استمرارية هذا الاضطراب، فبينما يرى بعض المحللين أنه مؤقت وسرعان ما يهدأ، يتوقع آخرون استمرار الضغوط لفترة أطول.

تهديد للاستقرار المالي والاجتماعي

ويؤكد زين العابدين هاشمي، الباحث الاقتصادي وعضو غرفة صناعة وتجارة إيران، أن آلية استعادة العقوبات لا تمثل مجرد بند قانوني في الاتفاق النووي لعام 2015، بل تعد تهديدًا جوهريًا للاستقرار المالي والاجتماعي في البلاد، لأنها تفتح الباب أمام إعادة جميع العقوبات الأممية على طهران.

وفي حديثه لـ”الجزيرة نت”، أشار هاشمي إلى أن تأثير هذه العقوبات بدأ فعليًا قبل تطبيقها الرسمي، موضحًا أن بورصة طهران تحولت إلى اللون الأحمر، بينما قفز الدولار والذهب إلى مستويات غير مسبوقة، وبدأ المواطنون يتجهون إلى العملات الرقمية كملاذ آمن لحماية مدخراتهم.

كما حذر من أن إيران قد تفقد جزءًا كبيرًا من صادراتها النفطية والبتروكيميائية، بما يعني خسائر بمليارات الدولارات، مؤكدًا أن العقوبات الأممية ستوفر ذريعة جديدة لخصوم طهران للضغط على دول وشركات أجنبية من أجل الحد من التعاون الاقتصادي معها.

تداعيات مباشرة ومتعددة

وبحسب الخبير نفسه، فإن أبرز التداعيات المتوقعة تشمل ارتفاع تكاليف التحويلات المالية الدولية عبر الوسطاء، وتراجع قطاع السياحة، وهروب رؤوس الأموال إلى الخارج، إلى جانب إضعاف قدرة البنك المركزي على دعم العملة المحلية، وتعثر الوصول إلى التكنولوجيا الحديثة.

وأضاف أن الاقتصاد الإيراني يرزح أصلًا تحت ضغوط شديدة منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، عندما فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات قاسية شملت النفط والمصارف والصناعات والملاحة، وبالتالي فإن عودة العقوبات الأممية لن تكون جديدة في جوهرها، لكنها ستزيد من الضغوط السياسية والنفسية على السوق الداخلية.

العامل النفسي وتأثير الحرب الإعلامية

أما الباحث الاقتصادي علي محمدي، فيرى أن أهم تأثير للعقوبات الجديدة هو تأثيرها النفسي والإعلامي أكثر من الاقتصادي، موضحًا أن الأجواء المشحونة بالتهديدات تمنح السماسرة والمضاربين فرصة لإثارة القلق ورفع الطلب في الأسواق، ما يؤدي إلى ارتفاعات مفاجئة في الأسعار.

ويشير محمدي إلى أن أغلب العقوبات المزمع إحياؤها مطبقة فعليًا منذ عام 2018، وأن التعاملات الاقتصادية مع أوروبا متوقفة منذ سنوات، لافتًا إلى أن الاقتصاد الإيراني هشّ بطبيعته نتيجة ضعف احتياطيات النقد الأجنبي والاعتماد المفرط على عائدات النفط وغياب الأدوات المالية الحديثة.

ويرى أن تنفيذ العقوبات الأممية سيواجه عقبات جدية بسبب معارضة الصين وروسيا وبعض القوى الصاعدة، ما يجعل أثرها الفعلي على شركاء إيران التجاريين محدودًا نسبيًا.

بين القلق والانتظار

ويخلص محمدي إلى أن الأسابيع المقبلة ستكون ذروة التوتر النفسي في الأسواق الإيرانية، لكن هذه التقلبات ستبقى قصيرة المدى ومحدودة التأثير، مشيرًا إلى أن العامل النفسي هو المحرك الأساسي وراء الانهيارات المؤقتة في الأسواق، وليس المعطيات الاقتصادية الفعلية.

وفي انتظار دخول العقوبات حيز التنفيذ، تواجه السلطات الإيرانية تحديًا مزدوجًا يتمثل في احتواء حالة الترقب والقلق الشعبي، واستعادة ثقة الرأي العام في قدرة الدولة على إدارة الأزمة. ويرى مراقبون أن نجاح طهران في المرحلة المقبلة لن يقاس فقط بقدرتها على مواجهة الصدمات الخارجية، بل أيضًا بمدى قدرتها على كسر حلقة التشاؤم الاقتصادي التي تغذيها السياسة والإعلام.

زر الذهاب إلى الأعلى