صراع التكنولوجيا يعود للواجهة: “تيك توك” يشعل التوتر بين واشنطن وبكين مجددًا

عادت المنافسة بين الولايات المتحدة والصين إلى الواجهة من جديد عبر ملف التكنولوجيا، وهذه المرة من بوابة تطبيق “تيك توك” واسع الانتشار، الذي يستخدمه أكثر من 170 مليون أميركي، ما يجعله أحد أبرز الملفات الحساسة سياسيًا واقتصاديًا في الداخل الأميركي.
وفي خضم هذه الأجواء المتوترة، يستعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ لإجراء مكالمة هاتفية مرتقبة قد تمهّد الطريق لاتفاق يسمح باستمرار عمل التطبيق داخل الولايات المتحدة. وتُعد هذه المكالمة الأولى المعلنة بين الزعيمين منذ نحو ثلاثة أشهر، وتأتي قبل مشاركتهما في قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (آبيك) المقرر عقدها في كوريا الجنوبية بين 30 أكتوبر/تشرين الأول والأول من نوفمبر/تشرين الثاني.
ويرى مراقبون أن الهدف من هذه المكالمة هو كسر الجمود في العلاقات الثنائية عبر التوصل إلى تسوية محدودة، قد تتطور لاحقًا لتصبح جزءًا من صراع النفوذ الاقتصادي والتكنولوجي العالمي بين القوتين.
صفقة تقنية بطابع سياسي
تشير تقارير إعلامية إلى أن الاتفاق المحتمل يقوم على إنشاء كيان أميركي يضم أغلبية ملكية محلية لإدارة عمليات “تيك توك” داخل الولايات المتحدة، مع تخزين بيانات المستخدمين في الخارج.
إلا أن العنصر الأهم في هذه الصفقة، وهو الخوارزمية التي تشكل جوهر نجاح التطبيق، سيبقى داخل الصين، على أن يُمنح للأميركيين بصيغة ترخيص أو إعارة محدودة. واعتُبر ذلك مؤشرًا على أن واشنطن، رغم ضغوطها السياسية، لا تزال بحاجة إلى الابتكار الصيني لضمان استمرار التطبيق.
وتُقدّر قيمة الشركة الأم، “بايت دانس”، بنحو 400 مليار دولار، ما يجعل السيطرة على أحد أصولها الرئيسة مكسبًا سياسيًا مهمًا للرئيس ترامب في الداخل الأميركي، مقابل احتفاظ بكين بالسيطرة على الجانب الأكثر حساسية في المعادلة: التكنولوجيا ذاتها.
معركة داخلية وضغوط من الكونغرس
الملف لا يخلو من أبعاد سياسية داخلية، إذ يواجه ترامب ضغطًا من الكونغرس الذي أقرّ قانونًا يُلزم بحظر التطبيق ما لم تُنقل ملكيته إلى أميركيين، في حين تُعتبر المنصة وسيلة تواصل مؤثرة بين قطاعات واسعة من الناخبين الأميركيين، خاصة الشباب.
وقال ترامب في تصريحات سابقة:
“أنا أحب تيك توك، فقد ساعدني في الفوز بالانتخابات. إنه تطبيق ذو قيمة هائلة، والولايات المتحدة يجب أن تكون من يتحكم بهذه القيمة.”
لكن رغم هذا الموقف، ما تزال هناك تساؤلات عديدة بشأن الهيكل النهائي للملكية، ومدى النفوذ الذي ستحتفظ به الصين بعد أي اتفاق محتمل، إضافة إلى صعوبة تمرير الصفقة داخل الكونغرس وسط انقسام سياسي حاد بين الحزبين.
جدل الأمن القومي وتضارب التفسيرات
تُعد المخاوف الأمنية أحد أبرز محاور الجدل، إذ يرى بعض المشرعين الأميركيين أن أي اتفاق قد يمنح الصين نافذة محتملة للتجسس أو التأثير على الرأي العام الأميركي عبر المحتوى المنشور على التطبيق.
غير أن بكين ترفض هذه الاتهامات وتؤكد أنه لا يوجد أي دليل على أن “تيك توك” يشكل خطرًا على الأمن القومي الأميركي.
وفي المقابل، اعتبرت وكالة بلومبيرغ أن الصفقة، حتى لو تم التوصل إليها، لن تكون سوى “الجولة الأولى في معركة أطول” تتعلق بالسيطرة على التكنولوجيا والأسواق العالمية. وأشارت إلى أن الصين تراهن أيضًا على صعود شركاتها المنافسة مثل “هواوي”، التي باتت منتجاتها الحديثة تقترب من الاستغناء الكامل عن المكونات الأميركية مثل بطاقات “إنفيديا”.
صفقة أكبر في الأفق؟
ذكرت وكالة رويترز أن المكالمة الهاتفية بين ترامب وشي قد تُمهّد لعقد قمة مباشرة بين الزعيمين على هامش اجتماع “آبيك”، في إطار سعي البيت الأبيض إلى تحقيق ما يسميه ترامب “صفقة كبيرة وجميلة” مع الصين.
وتأتي هذه التحركات قبل حكم مرتقب من المحكمة العليا الأميركية قد يؤثر على الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الواردات الصينية، ما يجعل التوقيت بالغ الأهمية بالنسبة له لتعزيز موقفه التفاوضي.
ويرى محللون أن المشهد الحالي يعكس تناقضًا مزدوجًا: فمن جهة، نجحت واشنطن في فرض قوانينها على شركة صينية عملاقة، ومن جهة أخرى، لا تزال تعتمد على التكنولوجيا الصينية في مجالات رئيسية.
ختامًا
بين الهواجس الأمنية والرهانات الانتخابية، وبين الاعتبارات الاقتصادية والتكنولوجية، تمثل صفقة “تيك توك” اختبارًا حقيقيًا لطبيعة العلاقة بين واشنطن وبكين. وكما خلص تقرير بلومبيرغ إلى القول:
“تيك توك ليس سوى الجولة الأولى في معركة أكبر بكثير حول مستقبل التكنولوجيا العالمية.”