اكتشاف آلية جديدة لهروب الخلايا السرطانية يفتح آفاقًا لعلاجات أكثر فاعلية

اكتشف فريق من الباحثين الأميركيين لأول مرة أن الخلايا السرطانية قادرة على الهروب من تأثير الأدوية المضادة للسرطان عبر الاختباء داخل الخلايا الليفية الموجودة في نخاع العظم، وهي ظاهرة وصفوها بـ”خلية داخل خلية”.
الخلايا الليفية تعد من العناصر الأساسية في تكوين النسيج الضام، الذي يوفّر الدعم والربط بين الأنسجة والأعضاء داخل الجسم.
الدراسة، التي استمرت خمس سنوات وقادتها الدكتورة واي. لين وانغ من مركز فوكس تشيس للسرطان، ونشرت في مجلة Blood Neoplasia في 25 يوليو/تموز الماضي، قد تمثل نقلة نوعية في علاج سرطان الدم الليمفاوي المزمن (CLL) والأمراض المرتبطة به. ويُعد هذا النوع من أكثر سرطانات الدم شيوعًا بين البالغين، حيث يبدأ في بعض خلايا الدم البيضاء داخل نخاع العظم قبل أن ينتقل إلى الدم.
توضح وانغ أن اكتشاف قدرة الخلايا السرطانية على التوغل داخل الخلايا الليفية، التي عادة ما تدعمها في بيئتها الدقيقة، يمثل ظاهرة جديدة لم يتم التطرق إليها سابقًا. وتضيف أن هذا الاكتشاف يفسّر جزئيًا استمرار معاناة المرضى رغم العلاجات الحديثة، معربة عن أملها في أن يقود هذا الفهم إلى تطوير استراتيجيات أكثر فاعلية للقضاء على الخلايا المتبقية.
العلاجات الحالية، مثل مثبطات “بي تي كيه” (BTK)، تحقق استجابة أولية جيدة لدى أكثر من 90% من المرضى، لكن نسبة الشفاء الكامل لا تتجاوز 11%. ما يعني أن غالبية المرضى يبقون عرضة لانتكاسات مستقبلية بسبب بقاء بعض الخلايا السرطانية.
من خلال تحليل عينات من نخاع العظم، رصد الباحثون دخول خلايا السرطان إلى الخلايا الليفية استجابة للتعرض لمثبطات “بي تي كيه”، وأثبتوا أن هذه الخلايا المختبئة تتمتع بمعدلات بقاء أعلى مقارنة بتلك التي بقيت خارجها. وشبّهت وانغ هذه الظاهرة بعودة الخلايا السرطانية إلى “منازل آمنة” تحميها من تأثير الدواء.
أظهر الفريق البحثي أن هذه الآلية تحدث نتيجة زيادة التعبير عن مستقبل بروتين “سي إكس سي آر4” (CXCR4)، الذي يدفع الخلايا السرطانية إلى الانجذاب نحو الخلايا الليفية والدخول إليها. وبمجرد تحديد هذه الآلية، يقترح الباحثون أن حجب “سي إكس سي آر4” قد يمنع الخلايا السرطانية من الوصول إلى ملاذاتها، ما يفتح الباب أمام علاجات مركبة تجمع بين مثبطات “بي تي كيه” وحاصرات “سي إكس سي آر4” لتحقيق نسب شفاء أعلى.
الأهمية المحتملة لهذا الاكتشاف لا تقتصر على سرطان الدم الليمفاوي المزمن، إذ رُصد السلوك ذاته في سرطان الغدد الليمفاوية الجريبي، ويرجّح الباحثون أن آلية “خلية داخل خلية” قد تكون شائعة في عدة أنواع من السرطان، ما يمهد الطريق لتوسيع نطاق العلاجات المستقبلية.