باحثون أمريكيون يحققون تقدماً كبيراً في فهم كيفية تخزين الدماغ للذكريات البصرية

حقق فريق من جامعة جنوب كاليفورنيا بالولايات المتحدة تقدماً علمياً مهمّاً في فهم كيفية تكوين الدماغ البشري للذكريات البصرية وتخزينها واسترجاعها.
ونشرت الدراسة، في 8 يوليو/تموز الجاري بمجلة Advanced Science، نتائجها باستخدام تسجيلات دماغية للمرضى إلى جانب نموذج تعلم آلي، لتسليط الضوء على “الشفرة الداخلية” للدماغ التي تصنّف الذكريات البصرية إلى فئات، وكأنها خزانة ملفات للصور داخل الدماغ.
قراءة الأفكار من النشاط العصبي
أظهرت نتائج الدراسة إمكانية قراءة أفكار المشاركين عبر تحديد فئة الصورة البصرية التي كانوا يتذكرونها، اعتماداً على التوقيت الدقيق للنشاط العصبي لكل مشارك. ويعد هذا الاكتشاف خطوة مهمة في حل جدل أساسي في علم الأعصاب، ويفتح آفاقاً واعدة لتطوير واجهات دماغ-حاسوب المستقبلية، بما في ذلك أجهزة مساعدة لاستعادة الذاكرة المفقودة لدى المرضى المصابين باضطرابات عصبية مثل الخرف.
دور الحصين في الذاكرة
يشكل الحصين منطقة دماغية محورية في تكوين الذكريات العرضية المتعلقة بماذا وأين ومتى وقعت الأحداث. وبينما يعرف عن الحصين دوره في تشفير المعلومات المكانية (أين) والزمانية (متى)، إلا أن آلية تشفير عالم الأشياء الواسع (ماذا) كانت لغزاً. ويفترض العلماء أن الدماغ يبسط هذا التعقيد عن طريق ترميز الأشياء ضمن فئات.
منهجية البحث
استخدم الفريق تسجيلات دماغية لـ24 مريضاً بالصرع، زُرعت أقطاب كهربائية عميقة في أدمغتهم لتحديد مصادر النوبات. وقد مكنت هذه التسجيلات الباحثين من دراسة كيفية تشفير الخلايا العصبية الحصينية للمعلومات البصرية، ليس فقط عبر معدل إطلاق الإشارات، بل من خلال التوقيت الدقيق لنشاطها العصبي.
وقال تشارلز ليو، مدير مركز ترميم الأعصاب في جامعة جنوب كاليفورنيا وأستاذ الهندسة الطبية الحيوية: “كان من المثير رؤية الدراسات تكشف عن نموذج للأساس العصبي لتكوين الذاكرة، خصوصاً عند العمل مع مرضى يعانون من خلل في الذاكرة”.
كيف يخزن الدماغ المعلومات البصرية؟
طور الفريق نهجاً مبتكراً للنمذجة التجريبية، وسجل النشاط الكهربائي للخلية العصبية في الحصين أثناء قيام المرضى بمهمة المطابقة المتأخرة للعينة، وهي تقنية شائعة لاختبار الذاكرة البصرية قصيرة المدى.
وذكر الباحث دونغ سونغ أن المرضى شاهدوا خمس فئات من الصور: حيوان، نبات، مبنى، مركبة، وأدوات صغيرة، ثم سجل الفريق إشارات الحصين، مستعينين بالتعلم الآلي لفك تشفير الفئة التي كان المشارك يتذكرها اعتماداً على إشارات الدماغ فقط.
وأكدت النتائج فرضية أن الدماغ البشري يصنّف الأشياء المرئية ضمن فئات، وأن فئات الذاكرة البصرية قابلة للفك بناء على إشارات النشاط العصبي. وقال سونغ: “يمكننا فك تشفير نوع فئة الصورة التي كان المريض يتذكرها بدقة عالية، وكأننا نقرأ الحصين لمعرفة نوع الذاكرة التي يحاول تكوينها”.
نموذج فك تشفير الذاكرة
يعتمد الاكتشاف على نموذج فك تشفير قابل للتفسير يحلل الأنماط المكانية والزمانية للنبضات العصبية عبر مجموعة كاملة من الخلايا. وأظهرت الدراسة أن الحصين يستخدم رمزاً زمنياً لتمثيل فئات الذاكرة البصرية، بحيث يحمل التوقيت الدقيق لنبضات الخلايا العصبية، غالباً على نطاق الملّي ثانية، معلومات ذات معنى.
كما كشف البحث أن مجموعات الخلايا العصبية الحصينية تشفر فئات الذاكرة بطريقة موزعة؛ حيث يساهم حوالي 70-80% من الخلايا في تحديد ذاكرة بصرية لفئة معينة، لكن لحظات قصيرة داخل كل خلية فقط تشارك في التشفير، مما يتيح للدماغ تخزين ذكريات متنوعة بكفاءة عالية وتقليل استهلاك الطاقة.
تطبيقات مستقبلية
قال ليو: “يمكننا البدء بتطوير أدوات سريرية لاستعادة الذاكرة وتحسين حياة المرضى، بما في ذلك أجهزة مساعدة للذاكرة واستراتيجيات لتحفيز الأعصاب”. وأضاف أن النتائج مهمة لكل المرضى الذين يعانون من اضطرابات الذاكرة، وخاصة مرضى الصرع المشاركين في الدراسة، الذين يعانون من خلل وظيفي في الحصين يؤثر على نوبات الصرع والقدرات المعرفية والذاكرة.