اقتصاد

مصر بين أكبر مستوردي القمح وقفزات في تصدير الدقيق

تُعد مصر واحدة من أكبر مستوردي القمح في العالم، إلا أنها حققت خلال العام الماضي تقدمًا ملحوظًا في صادرات الدقيق، حيث ارتفعت بنسبة 15% لتسجل 450 مليون دولار مقابل 392 مليون دولار في عام 2023، وسط توقعات بزيادة تصل إلى 20% خلال العام المقبل.

الأسواق المستهدفة
تركز الصادرات المصرية من الدقيق على السوق الأفريقية باعتبارها الوجهة الرئيسية، إذ تستحوذ السودان وحدها على 47% من إجمالي الكميات المصدرة، تليها مدغشقر بنسبة 14%، ثم الصومال بنسبة 13%، فيما تستحوذ السعودية وفلسطين وليبيا واليمن على نسب أقل.

الواردات والإنتاج المحلي
على الجانب الآخر، تراجعت واردات مصر من القمح خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري بنسبة تقارب 30% لتسجل 5.2 ملايين طن، مقارنة مع 6.8 ملايين طن في الفترة نفسها من العام الماضي.
ويُقدر الإنتاج المحلي في الموسم الأخير بنحو 9.2 ملايين طن، في حين يبلغ حجم الاستهلاك السنوي ما بين 20 و21 مليون طن، ما يفرض على القاهرة استيراد الجزء الأكبر من احتياجاتها، خصوصًا من روسيا وأوكرانيا، إلى جانب كميات من رومانيا والأرجنتين والولايات المتحدة وكندا وفرنسا.

وخلال العام الماضي، ارتفعت قيمة واردات القمح بنسبة 14% لتصل إلى 4.35 مليارات دولار مقابل 3.81 مليارات دولار في 2023، لتصبح مصر ثاني أكبر مستورد للقمح عالميًا بعد إندونيسيا.

قفزات في التصدير
وفق بيانات المجلس التصديري للصناعات الغذائية، نمت صادرات مصر من دقيق القمح بنسبة 69.3% العام الماضي، لتسجل 1.129 مليون طن مقابل 667 ألف طن في 2023.
وتشير الأرقام إلى تضاعف حجم الصادرات نحو عشر مرات خلال العقد الماضي، حيث ارتفعت من 111 ألف طن بقيمة 46 مليون دولار إلى أكثر من مليون طن، في حين قفز سعر الطن محليًا لأكثر من خمسة أضعاف ليصل إلى نحو 16 ألف جنيه (330 دولارًا).

ويبلغ عدد مطاحن القمح في مصر نحو 410 مطاحن مملوكة للقطاعين العام والخاص، بينها 156 مطحنًا مخصصًا لإنتاج الدقيق المستخدم في صناعة الخبز المدعوم من وزارة التموين.

مزايا القمح المصري
يقول الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب إن ثمة طلبًا خارجيًا على القمح المصري لما يتمتع به من خصائص تلائم صناعات غذائية محددة. ويوضح أن ما يتم توريده للحكومة من الإنتاج المحلي يتراوح بين 4 و6 ملايين طن لإنتاج الخبز المدعوم، بينما يذهب جزء كبير من باقي الكميات إلى شركات خاصة تتولى التصدير أو البيع للمصانع والمخابز السياحية.

ويشير إلى أن التصدير يقتصر على القمح المحلي نظرًا لجودته، بينما القمح المستورد – سواء الأرخص من روسيا وأوكرانيا أو الأغلى من أميركا والأرجنتين – يُخصص للاستهلاك المحلي ولا يُعاد تصديره. كما لفت إلى استفادة مصر من قرار تركيا حظر استيراد القمح منتصف 2024 لمدة خمسة أشهر، مما فتح المجال أمام المطاحن المصرية لتعويض النقص في الأسواق الإقليمية.

انعكاسات محلية
ورغم توسع التصدير، يؤكد الخبراء أن أسعار الخبز في السوق المحلية لا تتأثر بشكل مباشر، إذ تظل خاضعة لمنظومة الدعم الحكومي. ويضيف عبد المطلب أن انخفاض الواردات في النصف الأول من العام لا يعكس بالضرورة تراجعًا فعليًا، بل يرتبط بموسم الحصاد المحلي، وأن الصورة الكاملة تتضح مع نهاية العام الزراعي.

أرباح وعملة صعبة
من جانبه، يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأميركية مصطفى شاهين أن المطاحن الخاصة تفضّل تصدير الدقيق نظرًا للعائد الربحي المرتفع بالعملة الصعبة مقارنة بالبيع داخل السوق المحلية. ويشير إلى أن تحرير سعر الصرف في مارس/آذار 2024، وارتفاع سعر الدولار من أقل من 30 إلى نحو 50 جنيهًا، جعل العوائد من التصدير أكثر جاذبية.

ويضيف شاهين أن قرار الحكومة منذ تسعينيات القرن الماضي بإسناد عمليات الاستيراد إلى شركات خاصة ساهم في تفشي الفساد داخل منظومة المناقصات، قبل أن تبدأ بعض الهيئات التابعة للقوات المسلحة مؤخرًا بالمشاركة في استيراد القمح لصالح الدولة.

ويؤكد شاهين أن أسعار الخبز ستبقى بمعزل عن توجهات التصدير، نظرًا لاعتمادها على تسعير حكومي ثابت، الأمر الذي يجعل عمليات التصدير مصدرًا إضافيًا لجذب العملة الأجنبية دون أن ينعكس بشكل مباشر على السوق المحلي.

زر الذهاب إلى الأعلى