انتعاش تاريخي في عقارات دبي.. طفرة استثمارية أم فقاعة جديدة؟

تشهد سوق العقارات في دبي موجة انتعاش غير مسبوقة، إذ سجلت مبيعات المنازل خلال الربع الثاني من عام 2025 أعلى مستوياتها على الإطلاق، مدفوعة بتزايد إقبال المستثمرين الأجانب وتراجع قيمة الدولار الأميركي. غير أن هذا الصعود السريع، بحسب تقرير لوكالة بلومبيرغ، يثير مخاوف من تكرار سيناريوهات الفقاعات العقارية التي عرفتها الإمارة قبل أقل من عقدين.
ومن بين أبرز المشاريع التي تجسد هذه الطفرة مشروع “إيوا” الذي يطوره رجل الأعمال أليكس زاجريبلني، ويضم برجًا سكنيًا من 21 طابقًا مستوحى من جبال “هاليليويا” الشهيرة في فيلم أفاتار. ويعتمد تصميمه على مبادئ “فاستو شاسترا” الهندية القديمة، ويتضمن هرمًا يزن 14 طنًا مكونًا من 1450 قطعة من الكريستال والأحجار شبه الكريمة ضمن أساساته. وتتراوح أسعار الشقق فيه بين 2.7 و7.5 ملايين دولار، مع بيع 16 وحدة حتى الآن.
ارتفاعات قياسية في الأسعار والمعاملات
بحسب بلومبيرغ، قفزت أسعار العقارات في دبي بنسبة 70% منذ نهاية 2019، فيما شهدت المدينة خلال الربع الثاني من العام الجاري نحو 51 ألف صفقة بيع، بقيمة إجمالية بلغت 73 مليار دولار، بزيادة 41% عن الفترة نفسها من عام 2024.
ويرتبط هذا النشاط إلى حد كبير بتراجع الدولار، الذي سجّل أسوأ أداء نصف سنوي منذ 1973 بفعل السياسات التجارية للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. وبما أن الدرهم الإماراتي مرتبط بالدولار، فقد استفاد المستثمرون الأجانب، خصوصًا الأوروبيين، من قوة شرائية أعلى. واعتبر تيمور خان، رئيس الأبحاث في “جونز لانغ لاسال” للشرق الأوسط وأفريقيا، هذا العامل “المحرك الأكبر للسوق”، مشيرًا إلى أن أي تعافٍ لاحق للدولار قد يعني عوائد إضافية عند إعادة البيع.
مخاطر المعروض وضغوط المطورين
ورغم المؤشرات الإيجابية، يحذر خبراء من مخاطر مرتبطة بزيادة المعروض، إذ تشير بيانات “جونز لانغ لاسال” إلى أن نحو 250 ألف وحدة سكنية قيد التطوير ستدخل السوق خلال السنوات المقبلة، بما يعادل زيادة 30% في إجمالي المعروض.
ويقول شون ماكولي، الرئيس التنفيذي لشركة “ديفمارك”، إن “ارتفاع أسعار الأراضي يضغط بشدة على هوامش الربح، مما يجعل من الصعب تحقيق عوائد منطقية”. كما أن دخول مطورين جدد بكثافة يضاعف المنافسة ويختبر قدرة السوق على الاستيعاب.
دروس الماضي لا تغيب عن الأذهان
وتستحضر بلومبيرغ تجارب دبي السابقة مع الدورات العقارية، مثل مشروع “العالم” الذي كلف 13 مليار دولار عام 2008 قبل أن تتوقف أعماله إثر الأزمة المالية العالمية، حين تدخلت أبوظبي لإنقاذ الإمارة. كما شهدت السوق تراجعًا آخر عام 2014 بسبب انهيار أسعار النفط وتأجيل مشاريع كبرى.
ومع ذلك، يواصل مطورون كبار المضي في استثمارات ضخمة، مثل مشروع “قلب أوروبا” الذي تصل قيمته إلى 6 مليارات دولار، موزعة على ست جزر صناعية، ويضم فنادق فاخرة ومرافق مبتكرة مثل “الشارع الماطر”، وقد بدأ باستقبال الضيوف عام 2024 عبر فندق “فووكو موناكو دبي”.
سوق أكثر نضجًا أم بداية فقاعة؟
ويرى ويل ماكنتوش، الشريك الإقليمي في “نايت فرانك”، أن السوق باتت أكثر نضجًا، إذ يشكل المشترون الفعليون الغالبية، بينما لا تتجاوز نسبة المضاربين 5% ممن يبيعون وحداتهم خلال 12 شهرًا، مقارنة بـ25% عام 2008.
ومع ذلك، تبقى التساؤلات قائمة: هل يمثل هذا الانتعاش بداية دورة نمو طويلة الأمد تقود دبي إلى مرحلة أكثر استقرارًا، أم أنه مجرد مقدمة لتصحيح قاسٍ قد يعيد إلى الأذهان مشاهد الانهيارات السابقة؟