اقتصاد

اتفاق تجاري تاريخي يعيد رسم العلاقة عبر الأطلسي: أوروبا ترضخ للضغوط الأميركية وصفقات بالمليارات

في خطوة وصفتها مصادر أوروبية بأنها “رضوخ غير مسبوق للابتزاز الأميركي”، أعلنت المفوضية الأوروبية والرئيس الأميركي دونالد ترامب التوصل إلى أكبر اتفاق تجاري في تاريخ العلاقات بين الجانبين، بحسب وكالة “بلومبيرغ”، التي اعتبرت الاتفاق علامة فارقة، ليس فقط من حيث الحجم، بل من حيث التنازلات السياسية والاقتصادية التي قدمتها بروكسل تحت وطأة التهديدات.

الاتفاق، الذي جرى توقيعه خلال لقاء في منتجع “ترنبري” الاسكتلندي بتاريخ 28 يوليو/تموز، يفرض رسومًا جمركية بنسبة 15% على معظم صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، مقابل منح امتيازات واسعة للمنتجات الأميركية، ما أثار جدلاً داخليًا متصاعدًا في العواصم الأوروبية بشأن الثمن الإستراتيجي المدفوع لتجنب اندلاع حرب تجارية شاملة.

ضغط متصاعد قبل التوقيع

وكشفت “بلومبيرغ” أن الرئيس ترامب لوّح قبل ساعات فقط من توقيع الاتفاق بفرض رسوم جمركية تصل إلى 50% على المنتجات الأوروبية، ما لم تستجب بروكسل لشروطه. هذا التهديد دفع الاتحاد الأوروبي إلى الموافقة العاجلة على بنود الاتفاق، رغم وصف دبلوماسيين لها بأنها تمثل “مجزرة تنظيمية وتجارية”.

وبحسب التفاصيل، أبقت واشنطن على رسومها الحالية بنسبة 50% على واردات الصلب والألمنيوم الأوروبية، في حين خفّضت الرسوم على السيارات الأوروبية من 27.5% إلى 15%. بالمقابل، ستخفض أوروبا رسوم الاستيراد على السيارات الأميركية من 10% إلى 2.5%، وهو ما يُعد مكسبًا واضحًا لصناعة السيارات في الولايات المتحدة.

أبعاد تتجاوز الاقتصاد

وترى “بلومبيرغ” أن الاتفاق يتجاوز كونه اقتصاديًا، ليحمل رسائل سياسية واضحة تربط بين ملفات الأمن والدفاع والتجارة. فقد سبق التوقيع إعلان الدول الأعضاء في “الناتو” عن زيادة مساهماتها الدفاعية لأعلى مستوى منذ نهاية الحرب الباردة، في خطوة اعتُبرت محاولة لتفادي انسحاب أميركي محتمل من الحلف.

وخلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب التوقيع، أعلن ترامب عن صفقة ضخمة لشراء أوروبا طاقة أميركية بقيمة 750 مليار دولار، تشمل الغاز الطبيعي المسال والنفط والوقود النووي، إلى جانب استثمارات مباشرة بقيمة 600 مليار دولار، إضافة إلى عقود تسليح كبرى، وذلك في وقت أعلن فيه صراحة أن أوروبا ستتحمل تكلفة الأسلحة الأميركية المرسلة إلى أوكرانيا.

خلفية أمنية متوترة

يأتي هذا التحول الإستراتيجي في ظل استمرار التصعيد الروسي، حيث استهدف هجوم بطائرات مسيرة سوق “بريفوز” في مدينة أوديسا الأوكرانية في 24 يوليو/تموز الجاري، بالتوازي مع مؤشرات متزايدة على تراجع الحماسة الأميركية للانخراط المباشر في الحرب.

في هذا السياق، وصفت الحكومة الفرنسية الاتفاق بأنه “يوم مظلم في تاريخ الاتحاد الأوروبي”، معتبرة ما حدث خضوعًا صريحًا للضغوط الأميركية. وقال رئيس الوزراء فرانسوا بايرو إن “أوروبا فقدت استقلالها التفاوضي”، فيما عبّر المستشار الألماني فريدريش ميرتس عن دعمه المشروط للاتفاق، مشيرًا إلى أنه كان يأمل في “خفض أوسع للرسوم الأميركية المفروضة على الصناعات الألمانية”.

سياسة أميركية توسعية

ووفقاً لتحليل “بلومبيرغ”، يُعد هذا الاتفاق حلقة ضمن سلسلة اتفاقيات أبرمتها إدارة ترامب مؤخرًا مع عدد من حلفاء واشنطن في آسيا وأميركا اللاتينية، بما في ذلك اليابان، فيتنام، البرازيل والهند، بينما تواصل الإدارة الأميركية مفاوضات دقيقة مع الصين بشأن تمديد وقف الرسوم الجمركية المتبادلة المقرر انتهاؤه منتصف أغسطس/آب.

وتشير الوكالة إلى أن هذه السياسة أعادت رسم خريطة التجارة العالمية بشكل أحادي، مما رفع متوسط الرسوم الجمركية الأميركية إلى مستويات غير مسبوقة منذ ثلاثينيات القرن الماضي، لتتجاوز ستة أضعاف المعدلات المسجلة عند وصول ترامب إلى البيت الأبيض عام 2017، وفقاً لبيانات لجنة التجارة الدولية الأميركية.

نهاية “الضمان الأميركي”

وفي ختام تقريرها، تنقل “بلومبيرغ” عن دبلوماسي أوروبي بارز قوله إن “الرسالة أصبحت واضحة: الاعتماد على الولايات المتحدة لم يعد خيارًا آمنًا، بل مخاطرة حقيقية“. ويؤكد مراقبون أن الحلفاء التقليديين لأميركا باتوا يعيدون النظر في حساباتهم الإستراتيجية، بعد أن تحولت الشراكة إلى أداة ضغط مكشوفة في يد واشنطن.

زر الذهاب إلى الأعلى