الأخبار الدولية

تقرير إيطالي: تصاعد الانتحار بين الجنود الإسرائيليين يكشف الانهيار النفسي بعد حرب غزة ولبنان

سلّط تقرير نشره موقع “إنسايد أوفر” الإيطالي الضوء على الأزمة النفسية العميقة التي يعيشها الجنود الإسرائيليون بعد مشاركتهم في الحرب على غزة وجنوب لبنان، مشيرًا إلى تصاعد غير مسبوق في حالات الانتحار في ظل تجاهل رسمي مقلق لهذه الظاهرة المتفاقمة.

وأوضح الكاتب أندريا أومبريلو أن مأساة الجندي الاحتياطي دانيئيل إدري، الذي أضرم النار في جسده قرب مدينة صفد بعد مشاركته في العمليات العسكرية، تجسد حجم الكارثة. فقد تحوّل من منفذ للعمليات إلى ضحية مطاردة دائمة لصور الأجساد المتفحمة التي لم تغادر ذاكرته.

وأشار التقرير إلى أن إدري، الذي خدم في غزة ولبنان، كان يعاني من اضطرابات نفسية حادة سبقت انتحاره، حيث عبّر عن حاجته الملحة للعلاج النفسي، لكنه قوبل بجواب مفاده أن عليه الانتظار طويلًا. في رسالة وجهها إلى أحد زملائه كتب: “عقلي ينهار.. لقد أصبحت خطرًا على من حولي.. أنا قنبلة موقوتة”.

“لهيب يلتهم مبررات الحرب”

يرى الكاتب أن إدري لم يكن حالة معزولة، بل مثالًا على مئات الجنود الذين تُركوا وحيدين يواجهون تداعيات العنف الذي شاركوا فيه. فالهيئة العسكرية الإسرائيلية، بحسب التقرير، تعاملت مع الانتحار كقضية بيروقراطية، ورفضت حتى اللحظة منح إدري مرتبة الشرف العسكرية بعد وفاته، لكون انتحاره وقع بعد تسريحه من الخدمة.

ونقل التقرير عن والدة إدري قولها إن ابنها كان يعيش معاناة داخلية لا تُطاق، تطارده صور القتلى، وروائح الجثث، وصرخات المصابين، وقد عبّر مرارًا عن عجزه عن التحرر من هذه الذكريات المؤلمة.

ارتفاع صادم في حالات الانتحار

وبحسب ما أورده التقرير، فإن الإحصائيات الرسمية للجيش الإسرائيلي تشير إلى تسجيل 38 حالة انتحار في صفوف الجنود بين عامي 2023 و2024، منها 28 حالة وقعت بعد اندلاع الحرب على غزة. مقارنة بـ14 حالة في 2022 و11 حالة في 2021، فإن هذا الارتفاع يُظهر بوضوح أثر الحرب على الصحة النفسية للجنود.

ووفقًا لموقع “والا” الإسرائيلي، ارتفع العدد إلى 43 حالة انتحار منذ بداية الحرب على غزة، معظمها تعود لأعراض نفسية مرتبطة بالقتال.

وتكشف المعطيات أن الانتحار بات ثاني أبرز سبب للوفاة في الجيش الإسرائيلي، بعد القتال المباشر. ففي عام 2023، سجلت 558 حالة وفاة في صفوف القوات، منها 17 حالة بسبب الانتحار، فيما تشير بيانات أولية لعام 2024 إلى تسجيل 21 حالة انتحار حتى منتصف العام.

ضغط نفسي لا يُحتمل

يؤكد التقرير أن تعبئة أكثر من 300 ألف جندي احتياط دفعت الجنود إلى أقصى درجات التحمل النفسي، لا سيما في بيئات الصراع العنيف داخل غزة وعلى الحدود مع لبنان، ما أنتج جيلًا من المحاربين العالقين في دوامة ما بعد الصدمة.

وتُظهر البيانات الرسمية أن نحو 1600 جندي يتلقون علاجًا من اضطراب ما بعد الصدمة، في حين احتاج 75% من المحاربين القدامى إلى دعم نفسي مستمر.

ورغم اتخاذ الجيش إجراءات طارئة، شملت تخصيص خط مساعدة تلقى أكثر من 3900 اتصال، وتجنيد 800 مختص نفسي، فإن شهادات الجنود وعائلاتهم تكشف حجم العجز في مواكبة الطلب المتزايد، وضعف الإحاطة النفسية المتوفرة.

قصص مؤلمة من الميدان

يسوق التقرير قصة الجندي إليران مزراحي مثالًا إضافيًا على هذا الواقع المأساوي، حيث أقدم على الانتحار فور تلقيه أمرًا جديدًا بالاستدعاء للخدمة. وفي مقابلة مع شبكة CNN، قالت والدته بأسى: “خرج من غزة، لكن غزة لم تخرج منه أبدًا”.

وأشار التقرير إلى أن منظمات المجتمع المدني مثل “كسر الصمت” طالما نبهت إلى إغفال الدعم النفسي بعد الخدمة، وسيطرة الصمت على معاناة الجنود العائدين من ساحات الحرب، في مجتمع تعتبر فيه المؤسسة العسكرية ركيزة أساسية.

خاتمة

يخلص التقرير إلى أن تصاعد حالات الانتحار بين الجنود الإسرائيليين يكشف ثمنًا باهظًا تدفعه إسرائيل جراء حروبها، ليس فقط من الناحية العسكرية أو السياسية، بل أيضًا من خلال الانهيار النفسي الصامت داخل صفوف جنودها الذين تحولوا إلى ضحايا آلة العنف التي ساهموا في تشغيلها.

زر الذهاب إلى الأعلى