الصحة

إنجاز علمي جديد في أبحاث السكري: تطوير أول نموذج لخلايا جزر البنكرياس البشرية مزودة بأوعية دموية

حقق فريق دولي من الباحثين إنجازًا علميًا غير مسبوق، من خلال تطوير أول نموذج عضوي لخلايا جزر البنكرياس البشرية المشتقة من الخلايا الجذعية، مزوّد بأوعية دموية متكاملة. وتُعد جزر البنكرياس بمثابة تجمعات خلوية مسؤولة عن إنتاج الهرمونات، وأبرزها خلايا “بيتا” التي تفرز الإنسولين، وتلعب دورًا محوريًا في تنظيم مستويات السكر في الدم.

محاكاة دقيقة للبنكرياس البشري

أظهرت النتائج أن العضيات المزودة بأوعية دموية تحتوي على عدد أكبر من خلايا بيتا الناضجة، وتفرز كميات أعلى من الإنسولين مقارنة بنظيراتها غير الوعائية، ما يجعلها أقرب في سلوكها وخصائصها إلى جزر البنكرياس الطبيعية داخل الجسم.

وقد قادت الدراسة العالمة الدكتورة مايكي ساندر، المديرة العلمية لمركز ماكس ديلبروك في ألمانيا، بالتعاون مع باحثين من مختبر ساندر في جامعة كاليفورنيا – سان دييغو، ونُشرت نتائجها في دورية Developmental Cell في 23 مايو/أيار، كما تناولها موقع EurekAlert العلمي.

أهمية الدور الوعائي

علقت ساندر على النتائج قائلة: “تؤكد دراستنا الدور الحيوي الذي تؤديه الأوعية الدموية في دعم وظيفة خلايا جزر البنكرياس. هذا النموذج يُقرّبنا من بيئة الجسم الطبيعية، وهو أداة أساسية لفهم مرض السكري وتطوير علاجات أكثر فاعلية”.

وتُستخدم عضيات جزر البنكرياس الجذعية على نطاق واسع في أبحاث السكري، إلا أن نقص نضج خلايا بيتا كان يشكّل تحديًا طويل الأمد أمام محاكاة البيئة البيولوجية الدقيقة للبنكرياس. وسعى الفريق إلى تجاوز هذا القصور من خلال إدخال خلايا بطانية (التي تبطّن الأوعية الدموية) وخلايا ليفية (تدعم النسيج الضام)، مما أدى إلى تطور شبكات وعائية حيوية داخل العضيات.

خمس سنوات من العمل الدقيق

وقالت ساندر: “استغرق الأمر منا خمس سنوات من التجارب المكثفة حتى توصلنا إلى تركيبة بيئية ناجحة تدعم نمو الخلايا وتكوين الأوعية الدموية التي تخترق الجزر وتغذيها”.

عند مقارنة العضيات المزودة بالأوعية مع تلك التي لا تحتوي عليها، وجد الباحثون أن الأولى استجابت بشكل أقوى لوجود الغلوكوز، وأنتجت كميات أكبر من الإنسولين، مما يدل على مستوى نضج أعلى لخلايا بيتا داخلها.

آليتان للنضج الخلوي

وقد كشف الفريق عن آليتين رئيسيتين تسهمان في نضج الخلايا داخل هذه العضيات:

  1. بناء المصفوفة خارج الخلوية: تعمل الخلايا البطانية والليفية على تشكيل شبكة من البروتينات والكربوهيدرات المحيطة بالخلايا، تُعد علامة مهمة على نضج الخلايا.
  2. الإشارات البيوكيميائية: حيث تفرز الخلايا البطانية بروتينات مثل “بروتين العظم” الذي يحفّز نضج خلايا بيتا.

كما أدرك الفريق أن التحفيز الميكانيكي يلعب دورًا في إفراز الإنسولين، فقاموا بدمج العضيات في أنظمة دقيقة تسمح بتدفق الوسط المغذي عبر الشبكة الوعائية، مما أدى إلى ارتفاع إضافي في نسبة الخلايا الناضجة.

وقالت ساندر: “لاحظنا تدرجًا واضحًا: كلما زادت محاكاة بيئة الجسم من خلال الأوعية والتدفق، زادت نضج الخلايا واستجابتها للغلوكوز، ما يجعل هذا النموذج هو الأقرب حتى الآن لوظائف جزر البنكرياس داخل الجسم الحي”.

آفاق جديدة لعلاج السكري

يواصل الفريق حاليًا تطوير عضيات وعائية باستخدام خلايا مأخوذة من مرضى السكري من النوع الأول، ويعمل على نقلها إلى شرائح دقيقة مدمجة بخلايا مناعية من نفس المرضى، بهدف دراسة كيفية مهاجمة هذه الخلايا المناعية لخلايا بيتا.

يختم ساندر بالقول: “نطمح إلى فهم أعمق لآليات تدمير الخلايا في السكري، ونعتقد أن نموذجنا المتكامل يوفر أداة حيوية لتطوير علاجات أكثر دقة وفعالية في المستقبل”.

هذا التقدم يمثل خطوة فارقة في مجال الطب التجديدي، ويمنح الأمل بمستقبل أكثر إشراقًا لمرضى السكري حول العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى