عودة سوريا إلى “سويفت”.. آفاق اقتصادية واعدة وتحديات قائمة

تشكل عودة سوريا المحتملة إلى نظام “سويفت” للتحويلات المالية الدولية خطوة بالغة الأهمية في مسار إعادة دمج البلاد في النظام المالي العالمي، لما تحمله من انعكاسات إيجابية على تسهيل المعاملات البنكية، وخفض الاعتماد على الوسائل غير الرسمية والمكلفة مثل السوق السوداء وشبكات التحويل غير المرخصة.
فوائد محتملة للعودة إلى سويفت
يساهم استئناف العمل بنظام سويفت في تسهيل تدفقات تحويلات المغتربين، وتحفيز تدفقات رؤوس الأموال من المستثمرين، وفتح الباب أمام التمويل الخارجي لإعادة الإعمار، والتي قدّرتها تقارير دولية بنحو 400 مليار دولار.
كما يُتوقع أن يكون لهذه العودة دور كبير في تحديث القطاع المصرفي السوري، وتعزيز أنظمة الامتثال، وتفعيل مؤسسات ضمان الودائع، بما يعيد الثقة للمستثمرين الأجانب والفاعلين في السوق المالية.
عقبات قائمة أمام الدمج الكامل
رغم هذه المكاسب المحتملة، فإن عملية إعادة سوريا إلى شبكة سويفت لا تزال تواجه عدة تحديات هيكلية وقانونية، بحسب محللين ومراقبين، أبرزها:
- استمرار العقوبات الغربية: إذ لم تُرفع العقوبات بشكل كامل، بل جرى تعليق بعضها مؤقتًا، مما يُبقي المصارف الدولية في حالة تردد من التعامل مع نظيرتها السورية.
- منع التعامل بالدولار: لا تزال معظم البنوك السورية الخاصة ممنوعة من إجراء معاملات مالية مقوّمة بالدولار، نتيجة العقوبات الثانوية المفروضة على شخصيات نافذة لها صلات بالنظام السابق.
- سياسة حبس السيولة: تعتمد المصارف السورية على إجراءات تمنع سحب الودائع بحرية، مما يضعف ثقة المتعاملين ويحد من إمكانية استخدام نظام سويفت بفعالية.
- غياب الشفافية: مثل استخدام شركات غير رسمية مثل “شام كاش” في تنفيذ عمليات مالية حكومية، ما يثير تحفظات على مستوى الالتزام بالمعايير الدولية.
تصريحات الخبراء
في حديث خاص للجزيرة نت، أوضح الخبير الاقتصادي السوري يونس الكريم أن إعادة سوريا إلى سويفت تتطلب توافر مجموعة من الشروط، أبرزها:
- الموافقة التقنية من الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، الذي يُعد الجهة المهيمنة على نظام سويفت نظرًا لارتباطه بالدولار.
- ضمان الشفافية والموثوقية في النظام المصرفي السوري، وإزالة المخاوف المتعلقة بحبس السيولة والممارسات غير النظامية.
- تفعيل ضمانات دولية من خلال بنوك صديقة مثل تركيا وقطر للقيام بدور المرسل أو الضامن، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
- تحييد الشخصيات الخاضعة للعقوبات من مجالس إدارات البنوك الخاصة، مع إعادة هيكلة المصارف وفق معايير الحوكمة الدولية.
استخدام الدولار.. معوّق أساسي
يشير الكريم إلى أن استمرار منع البنوك السورية من التعامل بالدولار يمثل عائقًا جوهريًا في عمليات المراسلة والتحويل، وهو ما يؤدي إلى:
- تعطيل التجارة الخارجية وزيادة كلفة الواردات.
- تراجع الإنتاج الصناعي والتجاري.
- توسع السوق السوداء للتحويلات.
- صعوبة تلقي الحوالات الخارجية بطرق رسمية.
وبحسب ما نشره الدكتور كرم شعار، المستشار الاقتصادي في مكتب الأمم المتحدة بسوريا، فإن هذا الوضع ستكون له تداعيات سلبية مباشرة على الأداء الاقتصادي العام في البلاد.
إجراءات محدودة وغياب الحوافز
رغم استعادة بعض رموز “سويفت”، فإن تفعيل النظام مقصور حتى الآن على البنك التجاري السوري (CBS)، الذي خُوّل وحده التعامل بالدولار ضمن استثناءات محدودة، أبرزها العمليات الإنسانية، وفق ترخيص مؤقت من “أوفاك” (OFAC) في مايو/أيار 2025.
وتشير مصادر حكومية إلى أن تقييد التعامل بالدولار بالبنك التجاري يعود لعدة أسباب، من بينها:
- أنه البنك الحكومي الوحيد المخول بالعلاقات الخارجية.
- اعتباره جهة أكثر موثوقية في ضبط تدفقات العملة الأجنبية.
- ضمان عدم تسرب هذه الأموال إلى أنشطة مالية محظورة.
مقترحات لتعزيز الاندماج المالي
لضمان عودة فعالة وآمنة لسوريا إلى نظام سويفت، يقترح الخبراء حزمة من الإجراءات والسياسات، منها:
- رفع العقوبات الأميركية والأوروبية تدريجياً، لا سيما عن المصارف الخاصة والمؤسسات المالية.
- إلغاء سياسة حبس السيولة وإعادة هيكلة البنك المركزي على أسس حديثة ومستقلة.
- فصل البنوك عن الشخصيات الخاضعة للعقوبات عبر عدالة انتقالية تُخرج المنظومة المصرفية من دائرة النفوذ السياسي.
- تسهيل عمل منظمات المجتمع المدني، التي تملك تجارب طويلة في التعامل مع النظام المالي الدولي.
- ترشيح بنوك دول صديقة (مثل السعودية أو تركيا أو قطر) للقيام بدور وسيط مضمون للمراسلات المالية.
- إلغاء عمل شركات غير مرخصة مثل “شام كاش” وإحالة كل العمليات إلى مؤسسات رسمية.
- دعوة البنك المركزي السوري لمؤتمر دولي يضم رؤساء بنوك مركزية لمناقشة خطة إصلاح شاملة للقطاع المالي السوري.
خاتمة
عودة سوريا إلى نظام سويفت تمثل فرصة اقتصادية مهمة للبلاد، لكنها تظل مرهونة بإصلاحات داخلية عميقة واستجابة دولية مشروطة. ومن دون معالجة التحديات البنيوية الحالية، فإن الاستفادة من هذا النظام ستبقى محدودة، وقد تؤجل عودة الثقة المالية والاستثمارية إلى أجل غير مسمى.