الهدنة الإيرانية-الإسرائيلية في الإعلام الأوروبي: قراءة أبعد من العناوين

لم تكن الهدنة بين إيران وإسرائيل مجرّد خبر عاجل في المشهد الإعلامي الأوروبي، بل تحوّلت إلى محور تحليلي في كبريات الصحف ذات الطابع الفكري مثل إلباييس الإسبانية، لوموند الفرنسية، ودير شبيغل الألمانية، التي تعاملت معها كمرآة لأزمة ثقة أعمق في إدارة الصراعات بالشرق الأوسط.
هذه التغطيات لم تركز على صور الدمار أو أعداد القتلى، بل على تفكيك دلالات التوقيت السياسي للتهدئة، وتحليل خطاب الأطراف المعنية، وكشف شبكة المصالح التي دفعت نحو وقف إطلاق النار في لحظة غارقة بالتوتر.
وفي حين تبنّت بعض وسائل الإعلام الرسمية في المنطقة خطاب “الانتصار الرمزي” أو “الردع المتبادل”، جاءت المقاربة الأوروبية أكثر تشكيكًا في جدوى هذه الهدنة، وأكثر برودًا في تقييمها لاستدامتها.
هدنة أم استراحة مشروطة؟
طرحت الصحف الأوروبية تساؤلات مركزية:
- هل تعكس الهدنة رغبة حقيقية في خفض التصعيد؟
- أم أنها مجرد استراحة مفروضة بظروف سياسية مؤقتة؟
- ومن يملك حق إبقاءها قائمة؟ وهل من نية لاستثمارها في سلام فعلي؟
التحليلات تجاوزت الروايات الرسمية، ولامست جوهر المعادلة الإقليمية المعقّدة، مشيرة إلى غياب الإرادة السياسية الحقيقية، واستمرار حالة من الشك المتبادل.
فراشون: سكون هش بلا ضمانات
الكاتب الفرنسي ألان فراشون (لوموند) يرى أن التهدئة ليست سوى “سكون مؤقت” يخفي خلفه قابلية عالية للانفجار، خصوصًا مع تواصل العمليات الإسرائيلية وغياب مسار دبلوماسي جاد. ويؤكد أن قضايا جوهرية كبرنامج إيران النووي والوضع في غزة لم تُعالج بعد، ما يجعل من الهدنة مرحلة عابرة لا أكثر.
إسبينوزا: غلاف هش لصراع متجذّر
أما أنجيليس إسبينوزا (إلباييس)، فتعتبر أن التهدئة لا ترقى لمستوى المبادرة السياسية، بل جاءت لاحتواء انفجار وشيك. وتشير إلى أن إيران تعتبر الهدنة فرصة لإبراز قدراتها الردعية لا تراجعًا عن طموحاتها، بينما تعاني إسرائيل من اهتزاز داخلي بفعل الإرباك الأمني والسياسي.
كوزماني: هدنة مفروضة لا متفق عليها
في دير شبيغل، اعتبر ستيفان كوزماني أن التهدئة لم تنبع من حوار أو مفاوضات، بل جاءت استجابة مباشرة لضغط أميركي من الرئيس السابق دونالد ترامب. ويصفها بقرار مفاجئ، هشّ، يفتقر للركائز السياسية والاستراتيجية، محذرًا من عودة محتملة إلى التصعيد.
غيبال: تماسك النظام الإيراني لا يخفي هشاشته
الصحفية الفرنسية كلود غيبال (فرانس إنتر) سلطت الضوء على ما وصفته بـ”القدرة الإيرانية على امتصاص الضربات”، لكنها نبّهت إلى أن هذا التماسك الظاهري لا يُخفي هشاشة البنية الاقتصادية والسياسية لإيران، ما يجعل مصير النظام مرهونًا بالتطورات الداخلية والخارجية.
شتاينكي: تهدئة مؤقتة تفتقر إلى هندسة سلام
من جانبه، يرى رونن شتاينكي (زود دويتشه تسايتونغ) أن الهدنة أقرب إلى استراحة عمليات، لا بوابة لسلام مستقر. ويؤكد أن استمرار دور الفاعلين الإقليميين، كحزب الله والمليشيات المتحالفة مع إيران، يشكّل تهديدًا دائمًا للاستقرار، وسط غياب استراتيجية غربية لمعالجة جذور الأزمة.
رشمان: إملاء جيوسياسي لا مبادرة تفاوضية
جدعون رشمان (فايننشال تايمز) قدّم قراءة نقدية للهدنة، معتبرًا أنها نتيجة ضغوط دولية وليست توافقًا فعليًا. ويشير إلى أن واشنطن دفعت نحو التهدئة بدوافع انتخابية، ويصف الهدنة بأنها “إملاء جيوسياسي” أكثر منها اتفاقًا دبلوماسيًا ناضجًا. كما أشار إلى التوظيف الإيراني للصراع في سياق تأكيد النفوذ الإقليمي، مقابل إخفاق إسرائيل في تحقيق نصر حاسم.
ديفو: دور قطري خفي وفرصة قابلة للبناء
أما الصحفي الإيطالي جيانلوكا ديفو (لاريبوبليكا)، فطرح مقاربة أكثر تفاؤلًا، مشيرًا إلى أن الهدنة تشكّل لحظة ثمينة ينبغي استثمارها. وأشاد بدور قطر في تهيئة الأرضية اللازمة عبر وساطات غير معلنة، واعتبر تدخل ترامب حاسمًا في دفع الأطراف نحو وقف إطلاق النار، مشيرًا إلى انعكاسات إيجابية قصيرة المدى على الأسواق الاقتصادية.
سيسديدوس وفيغا: ترتيب قسري لا يعكس توافقًا حقيقيًا
في تحليل مشترك بصحيفة إلباييس، وصف الصحفيان إيكر سيسديدوس ولويس دي فيغا الهدنة بأنها “ترتيب فرضته الضرورة”، مؤكدين أن غياب أي بنية تفاوضية حقيقية، وعمق الانقسام الأيديولوجي، يجعلان من الهدنة لحظة هشّة قابلة للانهيار.
وأشارا إلى أن إسرائيل تواجه خيبة داخلية، في حين تعاملت إيران مع الهدنة كفرصة لتعزيز خطابها وموقعها الإقليمي، ما يزيد من تعقيد المشهد العام.
خاتمة: سلام مشروط بنضج سياسي وواقعية استراتيجية
تجمع المقاربات الأوروبية على أن التهدئة بين إيران وإسرائيل ليست سوى فصل عابر في صراع ممتد، وأن أي سلام حقيقي يتطلب نضجًا سياسيًا، وانخراطًا جديًا في مسار دبلوماسي يتجاوز المصالح الضيقة والتكتيكات العسكرية، ويعيد تعريف أولويات المنطقة برؤية شاملة تأخذ في الاعتبار مصالح الشعوب لا الحسابات اللحظية.
هل تود تلخيص هذا النص في نقاط تحليلية أو اقتباس أبرز التصريحات؟