واشنطن تمنع عباس من حضور الأمم المتحدة: خذلان جديد للشرعية الفلسطينية

لسنوات طويلة واجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورفاقه في مسار أوسلو خذلانًا متكرّرًا من الشرعية الدولية، بينما واصلت إسرائيل نسف أي أفق لإقامة الدولة الفلسطينية عبر التوسع الاستيطاني، ومداهمة مدن الضفة الغربية بالاعتقالات والاقتحامات.
واليوم يجد عباس نفسه أمام خذلان جديد، لكن هذه المرة من القانون الدولي ذاته، بعد أن رفضت الولايات المتحدة منحه تأشيرة دخول لحضور اجتماعات الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك خلال سبتمبر/أيلول.
وتنص اتفاقية المقر على إلزامية منح التأشيرات لجميع الوفود الرسمية المشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة، حتى لو كانت قادمة من دول على خلاف أو في حالة حرب مع واشنطن. ورغم مناشدات السلطة الفلسطينية للسلطات الأميركية للتراجع عن قرارها والسماح لعباس ووفده بالوصول، فإن الخارجية الأميركية تمسكت برفضها، بل وأكدت نيتها “محاسبة” السلطة الفلسطينية.
هذا الموقف أثار تساؤلات حول ما تريده الولايات المتحدة من سلطة عباس، إذ اعتبر مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي أن الخطوة الأميركية بمثابة “إعلان حرب على الشعب الفلسطيني”. وأوضح أن السلطة لم تتردد في مواجهة حركة حماس بالضفة الغربية، وتبنّت مواقف منسجمة مع الرؤيتين الأميركية والإسرائيلية، خاصة في ملف مخصصات أسر الشهداء، لكنها رغم ذلك لم تحظَ برضا واشنطن أو تل أبيب.
وكانت أجهزة الأمن التابعة للسلطة قد أطلقت حملة واسعة في جنين منتصف ديسمبر/كانون الأول 2024 تحت شعار “استعادة السيطرة الأمنية”، متهمةً بعض المقاتلين بتلقي دعم إيراني. وفي المقابل، يواصل عباس اتهام حماس بأنها أضرت بالقضية الفلسطينية، ووفرت ذريعة مجانية لجرائم الاحتلال في الضفة وغزة.
لكن، ورغم ذلك، تطالب الولايات المتحدة وإسرائيل السلطة بما هو أبعد من محاربة المقاومة أو التخلي عن الكفاح المسلح، إذ تدفعانها للتراجع حتى عن استخدام الوسائل القانونية والدبلوماسية عبر الأمم المتحدة والمحاكم الدولية، التي طالما اعتُبرت الأداة الأخيرة بيد الفلسطينيين لانتزاع اعتراف دولي بحقوقهم.
وفي هذا السياق، يؤكد الرنتاوي ضرورة أن تتبنى السلطة نهجًا جديدًا يقوم على توحيد الصف الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، بدلاً من الاستمرار في التنسيق الأمني مع إسرائيل.
من جانبه، يشير المسؤول الأميركي السابق توماس واريك إلى وجود تنسيق أمني بين السلطة وإسرائيل، لكنه يرى أن واشنطن تريد من عباس التخلي أيضًا عن “الحرب القانونية” ضد إسرائيل، بما يشمل التراجع عن جهود الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية أو السعي للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة.
هذا الموقف يعيد إلى الأذهان واقعة عام 1988 عندما منعت واشنطن الزعيم الراحل ياسر عرفات من دخول أراضيها لإلقاء كلمته أمام الأمم المتحدة، ما اضطر المنظمة الدولية إلى نقل الاجتماع إلى جنيف. غير أن الفلسطينيين اليوم يؤكدون إصرارهم على التوجه إلى نيويورك تحديدًا، لإحراج الولايات المتحدة أمام العالم، بحسب ما يشدد الباحث محمد المصري، الذي يرى أن السياسة الأميركية ليست سوى امتداد لـ”عدوان مستمر على الشعب الفلسطيني”.
ورغم أن عباس، الحاصل على الدكتوراه في تاريخ الصهيونية، لم يتوقف عن تقديم ما يعتبره الغرب “قرابين سياسية” – بما في ذلك إدانته عملية طوفان الأقصى التي نفذتها كتائب القسام في أكتوبر/تشرين الأول 2023 – فإن واشنطن وتل أبيب لم تبديا أي استعداد للتجاوب معه. فإسرائيل تواصل البناء الاستيطاني، وتعلن على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو رفضها الصريح لمبدأ حل الدولتين، بل وتلوّح بخطط لإضعاف السلطة وتنصيب قيادات بديلة موالية لها في الضفة.
في المقابل، ومع استمرار بعض الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا، في الدفع باتجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية داخل أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يصر الفلسطينيون على أن الطريق الأمثل لمواجهة هذا الواقع هو مواصلة العمل في المحافل الدولية، وعدم السماح لإسرائيل والولايات المتحدة بفرض صيغة “بقاء الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال إلى ما لا نهاية”.