اقتصاد

هيئة ضمان الودائع.. محاولة لإحياء الثقة بالقطاع المصرفي السوري

عانى القطاع المصرفي في سوريا طوال سنوات حكم نظام بشار الأسد من فساد مستشري وعقوبات دولية خانقة، رافقها فرض قيود مشددة على عمليات السحب والتحويل، وهو ما أدى إلى تآكل ثقة المودعين بالمصارف المحلية، ودفع شريحة واسعة منهم إلى تهريب أموالهم إلى الخارج.

واليوم، مع بداية مرحلة جديدة، تسعى السلطات المالية السورية إلى إعادة بناء جسور الثقة بين المواطنين ومصارفهم، وتعزيز الاستقرار المالي تمهيدًا لإطلاق إصلاحات اقتصادية أوسع.

خطوة لتعزيز الثقة

في هذا الإطار، أعلن مصرف سوريا المركزي يوم الجمعة الماضي عن تأسيس هيئة ضمان الودائع، في خطوة تهدف –بحسب المصرف– إلى حماية أموال المودعين، وترسيخ الثقة بالنظام المصرفي، وتهيئة بيئة استثمارية جاذبة.

وقال حاكم المصرف عبد القادر الحصرية في حديثه للجزيرة نت إن تأسيس الهيئة جاء استجابة لـ”حاجة ملحّة لتعزيز ثقة الجمهور بالنظام المصرفي السوري، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة”.

وأضاف أن المؤسسة الجديدة ستسهم في حماية حقوق المودعين وضمان استقرار القطاع المصرفي، بما يشجع الادخار والاستثمار ويدعم مسار الإصلاح الاقتصادي والتنمية المستدامة.

أداة محورية للإصلاح

وصف الحصرية الهيئة بأنها “أداة محورية” ضمن عملية الإصلاح الاقتصادي، موضحًا أنها ستوفر بيئة مالية مستقرة جاذبة للمدخرات، وتساعد في توفير السيولة اللازمة للنشاط الاقتصادي.

وأشار إلى أن من أبرز دوافع إنشائها تعزيز الثقة بالمصارف ودعم عملية إعادة هيكلتها، بما يرفع كفاءتها ويؤهلها للإسهام في تحقيق نمو اقتصادي شامل.

أما التحديات التي قد تواجهها الهيئة فتتمثل –وفق الحصرية– في ضعف البنية التحتية المصرفية، ورأس المال المحدود لبعض البنوك، وعدم انتظام الأداء المالي، إضافة إلى الظروف الاقتصادية العامة وغياب الشفافية أحيانًا.

وللتغلب على هذه التحديات، أكد الحصرية أن الهيئة ستعمل ضمن منظومة متكاملة من الإجراءات، أبرزها:

  • سن تشريعات واضحة تضمن استقلاليتها وفعاليتها.
  • تطبيق آليات رقابية صارمة مع تقارير دورية شفافة.
  • تخصيص موارد مالية كافية لعملها.
  • الاستثمار في التدريب والتقنيات الحديثة.
  • تعزيز التعاون مع الجهات الرقابية والمالية لضمان الالتزام وتحقيق الأثر المطلوب.

حماية صغار المودعين وتشجيع الاستثمار

يرى الخبير الاقتصادي أسعد العشي أن الأثر المباشر للهيئة سينعكس خصوصًا على صغار المودعين، حيث يُتوقع أن يصل سقف الحماية إلى نحو 100 ألف دولار أو يورو، مما يشجعهم على إعادة أموالهم إلى المصارف السورية.

كما أشار العشي إلى أن الخطوة قد تجذب مدخرات المغتربين السوريين، إذ تمنح المصارف المحلية فوائد أعلى من مثيلاتها في الخارج، ما يجعل الضمان الجديد حافزًا إضافيًا لتحويل الأموال إلى الداخل، سواء لدعم الأسر أو للاستثمار في مشاريع صغيرة.

ويؤكد أن صغار المودعين يشكلون كتلة مالية لا يُستهان بها، وأن حمايتهم تمثل أولوية لاستقرار رأس المال الوطني، فضلاً عن تحويل المصارف إلى أدوات استثمارية حقيقية تدعم مشاريع إعادة الإعمار والتنمية.

تأثير نفسي أكثر من مالي

من جانبه، يرى المحلل الاقتصادي ملهم الجزماتي أن تأسيس الهيئة جاء في توقيت حرج يشهد فيه الاقتصاد السوري أزمة عميقة، مشيرًا إلى أن المصارف فقدت الكثير من ثقة عملائها، وأن حجم الودائع تراجع بشكل كبير مع خروج المصارف الأجنبية من السوق السورية خلال سنوات الحرب.

وبحسب الجزماتي، فإن تأثير الهيئة سيكون محدودًا في بداياتها نتيجة ضعف الموارد والقدرات، لكنها قد تُحدث أثرًا نفسيًا إيجابيًا لدى المودعين، وهو ما قد يكون أكثر أهمية في المرحلة الأولى من انطلاقتها.

ويضيف أن نجاحها على المدى المتوسط مرهون بتحسن الأوضاع الاقتصادية العامة، إلى جانب استثمارات كبيرة في تطوير الأنظمة والقدرات المصرفية.

نحو منظومة إصلاحية متكاملة

يرى خبراء الاقتصاد أن تأسيس هيئة ضمان الودائع يمثل خطوة مركزية ضمن إستراتيجية إصلاحية أشمل أعلنها المصرف المركزي، وتشمل إصدار عملة جديدة، وإصلاح القطاع المصرفي، وترخيص مصارف جديدة.

ويؤكد الجزماتي أن الهيئة لن تكون حلاً سحريًا لجميع التحديات الاقتصادية، لكنها ضرورية لتعزيز مصداقية الإصلاحات المالية، وترسيخ مبادئ الحوكمة والشفافية، وتحسين إدارة المخاطر المصرفية، إلى جانب حماية الودائع وجذب الاستثمارات.

وبذلك، تبدو الهيئة الوليدة بداية مسار طويل لإعادة الثقة بالقطاع المصرفي السوري، وإعادته إلى دوره كأداة أساسية في دعم الاقتصاد الوطني، وسط تحديات داخلية وخارجية لا تزال ثقيلة الوطأة.

زر الذهاب إلى الأعلى