الصحة

هل هناك رابط بين الباراسيتامول والتوحد؟.. تحقيق علمي يفند ادعاءات إدارة ترامب

أثارت تصريحات إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب جدلاً واسعًا بعد الإشارة إلى وجود علاقة محتملة بين دواء باراسيتامول (أسيتامينوفين) وزيادة خطر الإصابة بالتوحّد. واعتبر وزير الصحة والخدمات الإنسانية حينها، روبرت إف كينيدي الابن، أن “وباء التوحد يتفشى”، وفق ما نقلته واشنطن بوست.

هذا الادعاء أثار تساؤلات علمية وطبية مهمة: هل استخدام الباراسيتامول يؤدي فعلًا إلى التوحّد؟ وهل التوحّد في ازدياد لدرجة وصفه بالوباء؟

التوحد.. حالة معقدة لا سبب واحدًا لها

يؤكد الخبراء أن اضطراب طيف التوحّد ليس حالة واحدة بل مجموعة حالات عصبية-نمائية تتفاوت في أعراضها وشدّتها. وتشمل أبرز مظاهر التوحّد:

  • صعوبات في التفاعل الاجتماعي والتواصل
  • سلوكيات متكررة واهتمامات محدودة
  • حساسيّة عالية للمحفزات الحسيّة
  • صعوبات لغوية متفاوتة قد تصل إلى حاجتهم للرعاية مدى الحياة لدى بعض الحالات

وتشير الدراسات إلى أن 30% من المصابين يعانون إعاقة ذهنية واضحة.

الوراثة والبيئة.. عوامل متشابكة

تشير الأبحاث العلمية إلى أن التوحّد حالة يولد بها الطفل في معظم الحالات، وتلعب العوامل الوراثية دورًا قد يصل إلى 90% من مسبباته. كما أنّ عوامل بيئية أثناء الحمل قد تسهم فيه، مثل:

  • الالتهاب المزمن لدى الأم
  • السمنة ومرض السكري أثناء الحمل
  • التعرض لمواد ملوثة بنسب معينة

ومع ذلك، يؤكد العلماء أن هذه العوامل لا تعمل وحدها، بل ضمن تفاعل معقد بين الجينات والبيئة.

المؤكد علميًا: اللقاحات والباراسيتامول لم تُثبت أي علاقة سببية مع التوحد وفق إجماع المجتمع الطبي.

التشخيص المبكر.. مفتاح التدخّل الفعّال

يعتمد تشخيص التوحّد على مراقبة السلوك والتطور، ويُوصَى بفحص الأطفال في عمر:

  • 18 شهرًا
  • 24 شهرًا

وقد تظهر مؤشرات مبكرة مثل قلة التواصل البصري أو عدم التجاوب مع الاسم. ويمكن تشخيص الحالة بشكل موثوق من عمر 18 شهرًا.

هل يزداد التوحد فعلًا؟

تشير الإحصاءات إلى ارتفاع ملحوظ في أعداد الحالات المشخّصة حول العالم. ففي الولايات المتحدة، تُشخَّص حالة توحّد واحدة لكل 31 طفلًا تقريبًا وفق بيانات 2022، مقابل طفل من كل 150 في عام 2000.

لكن الخبراء يوضحون أن هذا الارتفاع يعود غالبًا إلى:

  • تحسين أدوات الفحص والتشخيص المبكر
  • زيادة الوعي لدى الأسر والأطباء
  • توسيع المعايير التشخيصية

بالتالي، لا يمكن وصف التوحد بأنه وباء وفق المعايير الطبية.

العلاج والدعم

لا يوجد حتى الآن دواء مخصص لعلاج التوحد، لكن:

  • العلاج السلوكي المبكر أثبت فعاليته في تحسين التفاعل والمهارات الاجتماعية
  • بعض الحالات قد تتوقف عن استيفاء معايير التوحّد لاحقًا (حتى 10% من الأطفال)
  • تُستخدم أدوية داعمة لبعض الأعراض مثل القلق وفرط النشاط

خلاصة

الادعاء بوجود علاقة مباشرة بين الباراسيتامول والتوحّد غير مدعوم علميًا حتى اليوم. ويجمع علماء الأعصاب على أن التوحد نتيجة تفاعل معقد بين الوراثة والبيئة يبدأ في مرحلة مبكرة جدًا من تكوّن الدماغ.

أما الارتفاع في عدد الحالات فهو مرتبط بتطور الفحوصات وارتفاع الوعي، وليس بوجود وباء.

زر الذهاب إلى الأعلى