ميالبي يصنع معجزة كروية ويمنح قرية هاليفيك الصغيرة مجداً تاريخياً في الدوري السويدي

تعيش قرية هاليفيك الواقعة على الساحل الجنوبي للسويد حالة من الفرح العارم، بعد أن حقق فريقها ميالبي إنجازاً تاريخياً بتتويجه بلقب الدوري السويدي لكرة القدم للمرة الأولى في تاريخه، في قصة تُعد من أجمل وأغرب حكايات كرة القدم الحديثة.
فقد حسم ميالبي اللقب رسمياً يوم الاثنين الماضي عقب فوزه خارج أرضه على فريق غوتبورغ بنتيجة 2-0، ليكتب اسمه بحروف من ذهب في سجل الكرة السويدية. ويملك الفريق فرصة لتحطيم الرقم القياسي في عدد النقاط بموسم واحد (67 نقطة)، إذ يحتاج فقط إلى نقطتين من مبارياته الثلاث المتبقية لتحقيق ذلك.
وبفضل هذا الإنجاز، أصبحت هاليفيك أصغر بلدة على الإطلاق تتوّج بلقب دوري وطني معتمد من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا)، وهو ما جعل أنظار عشاق اللعبة حول العالم تتجه نحو هذه القرية الهادئة التي لا يتجاوز عدد سكانها 1485 نسمة.
ويستعد الفريق الآن لخوض ثلاث جولات تأهيلية تمهيداً للمشاركة المحتملة في دوري أبطال أوروبا لموسم 2026/2027، وفي حال تأهله فستكون هاليفيك أصغر بلدة تشارك في مرحلة المجموعات بتاريخ البطولة الأوروبية العريقة.
ما يضاعف من غرابة القصة أن ملعب الفريق “ستراندفالن” لا يتسع سوى لـ6500 متفرج فقط، أي ما يفوق عدد سكان القرية بأكثر من أربعة أضعاف، مما جعل الأجواء فيه خلال مباريات التتويج استثنائية بكل المقاييس.
وقد وصفت تقارير رياضية محلية وأوروبية ما حققه ميالبي بأنه “معجزة كروية”، فيما كتبت صحيفة “ذا صن” البريطانية: “فوز ميالبي بالدوري السويدي يُعد واحدة من أعظم القصص في تاريخ كرة القدم.”
من الإفلاس إلى القمة
لم يكن طريق ميالبي إلى المجد سهلاً. ففي عام 2016، كان النادي على وشك الهبوط إلى الدرجة الرابعة، لكنه نجا بفوزه على بريسبا بيرليك بنتيجة 3-0، وهو انتصار أنقذه من الإفلاس. وبعدها بعامين فقط، بدأ الفريق رحلة الصعود مجدداً بتحقيق ترقيتين متتاليتين عامي 2018 و2019 ليعود إلى الدرجة الأولى، حيث حافظ على موقعه منذ ذلك الحين.
وفي موسم 2024، احتل المركز الخامس، قبل أن يفجّر المفاجأة الكبرى هذا العام 2025 وينتزع اللقب عن جدارة.
ويبلغ متوسط عمر لاعبي الفريق 24 عاماً فقط، وحققوا أرقاماً لافتة خلال الموسم الحالي بخوضهم 27 مباراة، فازوا في 20 منها، وتعادلوا في 6، وتعرضوا لهزيمة واحدة فقط. ورغم هذا النجاح الكبير، فإن ميزانية النادي السنوية لا تتجاوز 2.3 مليون جنيه إسترليني.
وقالت صحيفة “ذا صن”: “رغم الإمكانات المالية المحدودة، فإن ما يملكه ميالبي لا يمكن شراؤه بالمال؛ إنه روح الجماعة والوحدة.”
فالحياة في النادي بسيطة، إذ يعيش معظم اللاعبين في مبنى واحد قرب الملعب لتعزيز روح الفريق، ويجتمعون بشكل يومي في متجر البقالة الصغير بالقرية، بينما يذكّرهم مخيم العربات المتنقلة المجاور للملعب ببساطة جذورهم وحياتهم.
مدرب ألهم الجميع
المدرب أندرس تورستنسون، البالغ من العمر 59 عاماً، يمثل الوجه الإنساني الملهم لهذه القصة. فقد تم تشخيص إصابته بورم في الدماغ وسرطان البروستاتا، لكنه واجه مرضه بشجاعة وظل يقود فريقه بروح مليئة بالإصرار والأمل.
تورستنسون كان لاعباً في صفوف ميالبي منذ عام 1985 دون أن يخوض أي مباراة رسمية، قبل أن ينتقل للعمل في الخدمة العسكرية ثم يصبح مديراً لمدرسة، بالتوازي مع عمله في تدريب فرق صغيرة، إلى أن عاد لتولي تدريب ميالبي عام 2023.
وفي عام 2024، ضم إلى طاقمه الفني مساعداً جديداً هو كارل ماريوس أكسوم، الذي رغم عدم امتلاكه أي خبرة تدريبية على مستوى الكبار، يحمل شهادة دكتوراه في الإدراك البصري في كرة القدم الاحترافية، وهو مجال يدرس كيفية استخدام اللاعبين لحركات الرأس والمسح البصري لاتخاذ قرارات أسرع وأكثر دقة داخل الملعب.
روح العائلة سر النجاح
داخل غرفة ملابس ميالبي، تسود أجواء خيالية من الترابط والعزيمة.
يقول المهاجم الشاب إليوت ستراود (23 عاماً): “من الصعب استيعاب ما حدث، الأمور تسارعت كثيراً. عندما لا نكون في تدريب أو مباراة، نقيم حفلات شواء ونقضي الوقت معاً. هذه الروابط التي نبنيها خارج الملعب هي ما تمنحنا القوة داخله. نحن عائلة واحدة في نادٍ صغير، وهذا ما يجعل كل شيء مميزاً.”
هكذا تحولت قرية صغيرة على الساحل الجنوبي للسويد إلى رمز للحلم الرياضي، حيث يمكن للإصرار والوحدة أن يصنعا المعجزات، حتى من قلب بلدة لا يزيد سكانها على عدد مدرجات ملعبها.







