موجة الاعتراف بدولة فلسطين: اختراق سعودي-فرنسي يربك واشنطن ويقوّض اتفاقات أبراهام

في سياق موجة التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني الذي يواجه إبادة جماعية في قطاع غزة، نجحت الرياض وباريس في قيادة مبادرة دبلوماسية تاريخية أقنعت تسع دول غربية بالاعتراف بدولة فلسطين، في خطوة اعتُبرت ضربة قوية لاتفاقيات أبراهام التي رُوِّج لها كمسار للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي دون شرط قيام الدولة الفلسطينية
هذا التحول الاستراتيجي، الذي تناول مركز الجزيرة للدراسات أبعاده في تحليل بعنوان “موجة الاعتراف بالدولة الفلسطينية: تقهقر أميركي وترنّح اتفاقات أبراهام”، ألقى الضوء على نجاح الاختراق العربي للمواقف الغربية، وتراجع قدرة الولايات المتحدة على فرض شروطها التقليدية في ملف القضية الفلسطينية.
تحوّل في المزاج الغربي
ظلت المواقف الغربية مرتبطة بالرؤية الأميركية، التي حصرت الاعتراف بدولة فلسطين في إطار مفاوضات ثنائية بين السلطة الفلسطينية وتل أبيب. غير أن ممارسات الاحتلال من مماطلة وتوسيع للاستيطان، ثم العدوان الدموي على غزة بعد عملية “طوفان الأقصى”، دفعت الرأي العام الغربي نحو دعم الفلسطينيين، ما أجبر حكومات عدة على إعادة النظر في مواقفها والاعتراف بالدولة الفلسطينية رغم المعارضة الأميركية والإسرائيلية.
هذا التغير قوبل بغضب في تل أبيب، التي اعتبرت الخطوة “مكافأة لحركة حماس”، وخسرت ورقة الضغط التي كانت تستغلها عبر التحكم في مسار الاعتراف الغربي. ويُنظر إلى هذا التطور بوصفه انعكاسا معكوسا لاتفاقات أبراهام، ولكن هذه المرة لصالح الفلسطينيين.
تراجع الدور الأميركي وتصدّع التحالف الغربي
من أبرز ما أفرزته هذه الموجة، فقدان الولايات المتحدة زمام المبادرة في القضية الفلسطينية، مع تصدّع الحلف الغربي في واحدة من أهم قضايا الشرق الأوسط، بعد أن سبق وتصدّع في ملف أوكرانيا.
كما مثّل الموقف السعودي-الفرنسي انحرافا واضحا عن “مشروع ترامب” الذي راهن على التحالف العربي-الإسرائيلي في مواجهة إيران. فقد أعادت الإبادة الإسرائيلية في غزة صياغة أولويات المنطقة، ودفعت قوى عربية وغربية إلى اعتبار إسرائيل خطرا موازيا – أو يفوق – الخطر الإيراني.
مآلات المشهد وتداعيات التصعيد
إزاء هذا الاعتراف المتزايد، قد تلجأ إسرائيل إلى مزيد من التشدد، عبر توسيع الاستيطان أو محاولة فرض التهجير في غزة، وهو ما قد يؤدي إلى تصعيد دولي أوسع، وربما إلى اتخاذ مزيد من الدول الغربية والعربية إجراءات عقابية ضدها.
وبينما يتعزز الرأي العام الغربي الداعم للفلسطينيين، تزداد عزلة إسرائيل والولايات المتحدة في الغرب، وتتآكل مكانة دول التطبيع عربياً وإسلامياً. وتُظهر المؤشرات أن المشهد قد يسير باتجاه وضع مشابه لمرحلة ما قبل سقوط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، حيث بات استمرار السياسات الإسرائيلية أكثر تكلفة وأقل قابلية للتبرير دولياً.